الباحث القرآني

(سمّاعون للكذب) كرره تأكيداً لقبحه وليكون كالمقدمة لما بعده وهو (أكّالون للسحت) وهو بضم السين وسكون الحاء المال الحرام وأصله الهلاك والشدة، من سحته إذا أهلكه، ومنه: (فيسحتكم بعذاب) ويقال للحالق اسحت أي أستأصل وسمي الحرام سحتاً لأنه يسحت الطاعات أي يذهبها ويسأصلها، وقال الفراء أصله كلب الجوع، وقيل هو الرشوة والأول أولى، والرشوة تدخل في الحرام دخولاً أولياً. وقد فسره جماعة بنوع من أنواع الحرام خاص كالهدية لمن يقضى له حاجة أو حلوان الكاهن والتعميم أولى بالصواب. قال ابن عباس أخذوا الرشوة في الحكم وقضوا بالكذب، وعن ابن مسعود قال السحت الرشوة في الدين، وقال سفيان في الحكم وعن ابن عباس قال: رشوة الحكام حرام، وهي السحت الذي ذكر الله تعالى في كتابه. وعن علي أنه سُئِلَ عن السحت فقال: الرشى، فقيل له في الحكم قال: ذلك الكفر، وعن عمر قال: بابان من السحت يأكلهما الناس الرشى في الحكم ومهر الزانية، وقد ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تحريم الرشوة ما هو معروف، وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم " [[صحيح الجامع الصغير 4969.]]، أخرجه الترمذي وأخرجه أبو داود عن ابن عمرو بن العاص. (فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) فيه تخيير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الحكم بينهم والإعراض عنهم، وقد استدل به على أن حكام المسلمين مخيرون بين الأمرين، وقد أجمع العلماء على أنه محب على حكام المسلمين أن يحكموا بين المسلم والذمي إذا ترافعا إليهم. واختلفوا في أهل الذمة إذا ترافعوا فيما بينهم فذهب قوم إلى التخيير، وبه قال الحسن والشعبي والنخعي والزهري، وبه قال أحمد، وذهب آخرون إلى الوجوب، وقالوا إن هذه الآية منسوخة بقوله: (وأن أحكم بينهم بما أنزل الله) وبه قال ابن عباس وعطاء ومجاهد وعكرمة والزهري وعمر بن عبد العزيز والسدي وهو الصحيح من قولي الشافعي، وحكاه القرطبي عن أكثر العلماء وليس في هذه السورة منسوخ إلا هذا وقوله: (ولا آمّين البيت) على ما سبق. (و) معنى (إن تعرض عنهم) إن اخترت الإعراض عن الحكم بينهم (فلن يضروك شيئاً) أي إذا عادوك لإعراضك عنهم فإن الله يعصمك من الناس، ولا سبيل لهم عليك لأنه سبحانه حافظك وناصرك عليهم (وإن حكمت) أي اخترت الحكم بينهم (فاحكم بينهم بالقسط) أي بالعدل الذي أمرك الله به وأنزله عليك (إن الله يحب المقسطين) العادلين فيما ولوا وحكموا فيه. وعند عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا " أخرجه [[مسلم 1827.]] مسلم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب