الباحث القرآني

(يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر) خطاب لجميع المؤمنين، وقد تقدم تفسير الخمر والميسر في سورة البقرة (والأنصاب) هي الأصنام المنصوبة للعبادة، جمع نصب كجمل أو نصب بضمتين (والأزلام) قد تقدم تفسيرها في أول هذه السورة أي قداح الاستقسام (رجس) يطلق على العذرة والأقذار، قال الزجاج: الرجس اسم لكل ما استقذر من عمل قبيح يقال رجس بكسر الجيم وفتحها يرجس رجساً إذا عمل قبيحاً، وأصله من الرجس بفتح الراء وهو شدة صوت الرعد. وفردق ابن دريد بين الرجس والرجز والركس فجعل الرجس الشر، والرجز العذاب، والركس العذرة والنتن، وهو خبر للخمر، وخبر المعطوف عليه محذوف. (من عمل الشيطان) صفة لرجس أي كائن من عمله بسبب تحسينه لذلك وتزيينه له ودعائه إياكم إليها، وليس المراد أنها من عمل يديه، وقيل هو الذي كان عمل هذه الأمور بنفسه فاقتدى به بنو آدم. والضمير في (فاجتنبوه) راجع إلى الرجس أو إلى المذكور أي كونوا جانباً منه (لعلكم تفلحون) أي لكي تدركوا الفلاح إذا اجتنبتم هذه المحرمات التي هي رجس. قال في الكشاف: أكد تحريم الخمر والميسر وجوهاً من التأكيد منها تصدير الجملة بإنما، ومنها أنه قرنهما بعبادة الأصنام، ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " شارب الخمر كعابد الوثن "، ومنها أنه جعلها رجساً كما قال: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان) ومنها أنه جعلهما من عمل الشيطان والشيطان لا يأتي منه إلا الشر البحت، ومنها أنه أمر بالاجتناب ومنها أنه جعل الاجتناب من الفلاح وإذا كان الاجتناب فلاحاً كان الارتكاب خيبة ومحقة، ومنها أنه ذكر ما ينتج منهما من الوبال، وهو وقوع التعادي والتباغض بين أصحاب الخمر والقمار وما يؤديان إليه من الصد عن ذكر الله، وعن مراعاة أوقات الصلوات. وفي هذه الآية دليل على تحريم الخمر لما تضمنه الأمر بالاجتناب من الوجوب وتحريم الصد، ولما تقرر في الشريعة من تحريم قربان الرجس فضلاً عن جعله لشراباً يشرب. قال أهل العلم من المفسرين وغيرهم: كان تحريم الخمر بتدريج ونوازل كثيرة لأنهم كانوا قد ألفوا شربها وحببها الشيطان إلى قلوبهم، فأول ما نزل في أمرها (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس) فترك عند ذلك بعض من المسلمين شربها ولم يتركه آخرون. ثم نزل قوله تعالى: (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) فتركها البعض أيضاً وقالوا لا حاجة لنا فيما يشغلنا عن الصلاة، وشربها البعض في غير أوقات الصلاة حتى نزلت هذه الآية (إنما الخمر والميسر) فصارت حراماً عليهم حتى كان يقول بعضهم ما حرم الله شيئاً أشد من الخمر، وذلك لما فهموه من التشديد فيما تضمنته هذه الآية من الزواجر، وفيما جاءت به الأحاديث الصحيحة من الوعيد لشاربها وأنها من كبائر الذنوب. وقد أجمع على ذلك المسلمون جميعاً لا شك فيه ولا شبهة، وأجمعوا أيضاً على تحريم بيعها والانتفاع بها ما دامت خمراً. وكما دلت هذه الآية على تحريم الخمر دلت أيضاً على تحريم الميسر والأنصاب والأزلام، قال قتادة: الميسر هو القمار، وقال ابن عباس: كل القمار من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب، وعن علي بن أبي طالب قال: النرد والشطرنج من الميسر، وعنه قال: الشطرنج ميسر الأعاجم، وقال قاسم بن محمد: كل ما ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة فهو ميسر. وعن ابن الزبير قال: يا أهل مكة بلغني عن رجال يلعبون بلعبة يقال لها نردشير، والله يقول في كتابه: (إنما الخمر والميسر) الآية إلى قوله: (فهل أنتم منتهون) وإني أحلف بالله لا أوتي بأحد يلعب بها إلا عاقبته في شعره وبشره وأعطيت سلبه من أتاني به. عن أنس بن مالك قال: الشطرنج من النرد، وبلغنا عن ابن عباس أنه ولي مال يتيم فاحرقها، وسئل ابن عمر عن الشطرنج فقال: هي شر من النرد، وسئل أبو جعفر عنه فقال: تلك المجوسية فلا تلعبوا بها. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " من لعب النردشير فقد عصى الله ورسوله " وأخرج ابن أبي الدنيا عن يحيى بن كثير قال: مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوم يلعبون بالنرد فقال: قلوب لاهية وأيد عليلة وألسنة لاغية، وقال ابن سيرين ما كان من لعب فيه قمار أو صياح أو شر فهو من الميسر، وفي الباب روايات كثيرة مشتملة على الوعيد الشديد لا نطول بذكرها. وقد أشار سبحانه إلى ما في الخمر والميسر من المفاسد الدنيوية بقوله:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب