الباحث القرآني

(وما من دابة) تقع على المذكر والمؤنث من دب يدب فهو داب إذا مشى مشياً فيه تقارب خطو وقد تقدم بيان ذلك في البقرة، وهذا كلام مستأنف مسوق لبيان كمال قدرته وشمول علمه وسعة تدبيره ليكون كالدليل على أنه قادر على تنزيل الآية، وإنما لم ينزلها محافظة على الحكم البالغة (في الأرض) إنما خص ما في الأرض بالذكر دون ما في السماء وإن كان ما في السماء مخلوقاً له لأن الاحتجاج بالمشاهد أظهر وأولى مما لا يشاهد. (ولا طائر يطير) يقال طار إذا أسرع قال أهل العلم جميع ما خلق الله لا يخرج عن هاتين الحالتين إما أن يدب على الأرض أو يطير في الهواء حتى ألحقوا حيوان الماء بالطير، لأن الحيتان تسبح في الماء كما أن الطير يسبح في الهواء، وذكر (بجناحية) لدفع الإبهام لأن العرب تستعمل الطيران لغير الطير كقولهم طر في حاجتي أي أسرع. وقيل إن اعتدال الطائر بين الجناحين يعينه على الطيران ومع عدم الاعتدال يميل فأعلمنا سبحانه أن الطيران بالجناحين، وقيل ذكر الجناحين للتأكيد كضرب بيده وأبصر بعينيه ونحو ذلك، والجناح أحد ناحيتي الطير الذي يتمكن به من الطيران في الهواء وأصله الميل إلى ناحية من النواحي، والمعنى ما من دابة من الدواب التي تدب في أي مكان من أمكنة الأرض ولا طائر يطير في أي ناحية من نواحيها. (إلا أمم أمثالكم) أي طوائف متخالفة وجماعات كل أمة منها مثلكم خلقهم الله كما خلقكم ورزقهم كما رزقكم، داخلة تحت علمه وتقديره وإحاطته بكل شيء وقيل أمثالكم في ذكر الله والدلالة عليه، وقيل أمثالكم في كونهم محشورين، روي ذلك عن أبي هريرة. وقال سفيان ابن عيينة: أي ما من صنف من الدواب والطير إلا في الناس شبه منه فمنهم من يعدو كالأسد، ومنهم من يشره كالخنزير، ومنهم من يعوي كالكلب، ومنهم من يزهو كالطاووس، وقيل أمثالكم في أن لها أسماء تعرف بها قاله مجاهد، وقال الزجاج: أمثالكم في الخلق والرزق والموت والبعث والاقتصاص والأولى أن تحمل المماثلة على كل ما يمكن وجود شبه فيه كائناً ما كان. وعن قتادة قال: الطير أمة والأنس أمة والجن أمة، وعن السدي قال: خلق أمثالكم وعن ابن جريج قال الذرة فما فوقها من ألوان ما خلق الله من الدواب، ويدل على أن كل جنس من الدواب أمة ما روى عبد الله بن مغفل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها فاقتلوا منها كل أسود بهيم "، أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي [[صحيح الجامع الصغير 5197.]]. (ما فرطنا) أي ما أغفلنا ولا أهملنا ولا ضيعنا (في الكتاب من) مزيدة لاستغراق (شيء) والجملة اعتراضية مقررة لمضمون ما قبلها، والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ فإن الله أثبت فيه جميع الحوادث، وعلى هذا فالعموم ظاهر، وقيل المراد به القرآن أي ما تركنا في القرآن من شيء من أمر الدين إما تفصيلاً أو إجمالاً، ومثله قوله تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء) وقال: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم). ومن جملة ما أجمله في الكتاب العزيز قوله: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) فأمر في هذه الآية باتباع ما سنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكل حكم سنه الرسول لأمته قد ذكره الله سبحانه في كتابه العزيز بهذه الآية وبنحو قوله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني) وبقوله: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة). (ثم إلى ربهم يحشرون) يعني الأمم المذكورة من الدواب والطير، وضميرها بصيغة جمع العقلاء لإجرائها مجراهم في وجوه المماثلة السابقة، وفيه دلالة على أنها تحشر كما يحشر بنو آدم وقد ذهب إلى هذا جمع من العلماء ومنهم أبو ذر وأبو هريرة والحسن وغيرهم، وذهب ابن عباس إلى أن حشرها موتها وبه قال الضحاك والأول أرجح للآية ولما صح في السنة المطهرة من أنه يقاد يوم القيامة للشاة الجلحاء من الشاة القرناء ولقول الله تعالى: (وإذا الوحوش حشرت). وذهبت طائفة من العلماء إلى أن المراد بالحشر المذكور في الآية حشر الكفار، وما تخلل كلام معترض قالوا وأما الحديث فالمقصود به التمثيل على جهة تعظيم أمر الحساب والقصاص، واستدلوا أيضاً بأن في هذا الحديث خارج الصحيح عن بعض الرواة زيادة ولفظه " حتى يقاد للشاة الجلحاء من القرناء وللحجر لما ركب على الحجر وللعود لما خدش العود " قالوا والجمادات لا يعقل خطابها ولا ثوابها ولا عقابها. وعن أبي هريرة قال: ما من دابة ولا طائر إلا سيحشر إلى يوم القيامة ثم يقتص لبعضها من بعض حتى يقتص للجلحاء منِ ذات القرن ثم يقال لها كوني تراباً فعند ذلك يقول الكافر يا ليتني كنت تراباً وإن شئتم فاقرأوا (ما من دابة في الأرض) الآية وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء " [[الطبري 11/ 347، والحاكم 2/ 316 وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. وأورده ابن كثير في " تفسيره " 2/ 131 ثم قال: وقد روي هذا مرفوعاً في حديث الصور، وخرجه السيوطي في " الدر المنثور " 3/ 11 وزاد نسبته لأبي عبيد وابن المنذر، وابن أبي حاتم. وروى مسلم في " صحيحه " 4/ 1997 عن أبي هريرة مرفوعاً " لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء " والجلحاء: الشاة إذا لم تكن ذات قرن، والقرناء: الشاة الكبيرة القرن.]]. وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (39) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب