الباحث القرآني

(يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك) أي قاصدات لمبايعتك على الإسلام، أخرج البخاري والترمذي وغيرهما. " عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية إلى قوله: (غفور رحيم)، فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد بايعتك -كلاماً- والله ما مست يده يد امرأة قط من المبايعات، ما بايعهن إلا بقوله قد بايعتك على ذلك "، وظاهر هذا التركيب أن النساء طلبن المبايعة مع أن المقرر في السير أنه صلى الله عليه وسلم ابتدأهن بالمبايعة شارطاً عليهن الشروط الآتية، وبعد أن بايعهن التزمنها، ويمكن على بعد أن يقال: التقدير في الآية: إذا جاءك المؤمنات يبايعنك فبايعهن. (على أن لا يشركن بالله شيئاً) من الأشياء كائناً ما كان، وهذا كان يوم فتح مكة، فإن نساء أهل مكة أتين رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايعنه فأمره الله تعالى أن يأخذ عليهن أن لا يشركن به (ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن) هو ما كانت تفعله الجاهلية من وأد البنات أي دفنهن أحياء لخوف العار والفقر. (ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن) أي لا يلحقن بأزواجهن ولداً ليس منهم، قال الفراء كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها. هذا ولدي منك، فذلك البهتان المفتري بين أيديهن وأرجلهن، وذلك أن الولد إذا وضعته الأم سقط بين يديها ورجليها، وليس المراد هنا أنها تنسب ولدها من الزنا إلى زوجها، لأن ذلك قد دخل تحت النهي عن الزنا، قال ابن عباس: كانت الحرة تولد لها الجارية فتجعل مكانها غلاماً وعنه قال في الآية لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهم. ْ (ولا يعصينك في معروف) أي في كل أمر هو طاعة لله، وإحسان إلى الناس، وكل ما أمر به الشرع ونهى عنه، والمعروف ما عرف حسنه من قبل الشرع، قال عطاء: في كل بر وتقوى، قال ابن عباس: إنما هو شرط شرطه الله النساء، وقال المقاتلان: عنى بالمعروف النهي على النوح، وتمزيق الثياب، وجز الشعر، وشق الجيوب، وخمش الوجوه، والدعاء بالويل، وكذا قال قتادة وسعيد بن المسيب ومحمد بن السائب وزيد بن أسلم، ومعنى القرآن أوسع مما قالوه مع دخول النوح فيه، قيل: ووجه التقييد بالمعروف مع كونه صلى الله عليه وسلم لا يأمر إلا به التنبيه على أنه لا يجوز طاعة مخلوق في معصية الخالق. أخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة. " عن أميمة بنت رقيقة قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نساء لنبايعه، فأخذ علينا ما في القرآن أن لا نشرك بالله شيئاًً، حتى بلغ (ولا يعصينك في معروف)، فقال فيما استطعتن وأطقتن، فقلنا: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا يا رسول الله، ألا تصافحنا؟ قال: إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة "، وفي الباب أحاديث، وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما: " عن عبادة بن الصامت قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئاًً ولا تسرقوا ولا تزنوا وقرأ آية النساء، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاًً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاًً فستره الله فهو إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ". وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجة وغيرهم: " عن أم سلمة الأنصارية قالت: قالت امرأة من النسوة: ما هذا المعروف الذي لا ينبغي لنا أن نعصيك فيه؟ قال: لا تنحن، قلت: يا رسول الله إن بني فلان أسعدوني على عمي لا بد لي من قضائهن، فأبى عليّ، فعاودته مراراً فأذن لي بقضائهن، فلم أنح بعد، ولم يبق من النسوة امرأة إلا وقد ناحت غيري ". وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما: " عن أم عطية قالت: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا أن لا نشرك بالله شيئاًً ونهانا عن النياحة، فقبضت امرأة منا يدها فقالت: يا رسول الله إن فلانة أسعدتني وأنا أريد أن أجزيها، فلم يقل لها شيئاًً. فذهبت ثم رجعت، فقالت: ما وفت منا امرأة إلا أم سليم وأم العلاء وبنت أبي سبرة امرأة معاذ أو بنت أبي سبرة وامرأة معاذ "، وقد وردت أحاديث كثيرة في النهي عن النوح. (فبايعهن) هذا جواب إذا، والمعنى إذا بايعنك على هذه الأمور فبايعهن أي التزم لهن ما وعدناهن على ذلك من إعطاء الثواب في مقابلة ما ألزمن أنفسهن به من الطاعات، فهو بيع لغوي، والبيع في اللغة مقابلة شيء بشيء على وجه العوضية، وسميت المعاهدة مبايعة تشبيهاً لها بها، كأن كل واحد منهم باع ما عنده بما عند الآخر، ذكر الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم في صفة البيعة خصالاً ستاً صرح فيهن بأركان النهي في الدين، ولم يذكر في بيعتهن أركان الأمر وهي ستة أيضاًً: الشهادتان والصلاة، والزكاة، والصيام: والحج، والاغتسال من الجنابة لوضوح كون هذه الأمور ونحوها من أركان الدين وشعائر الإسلام ولأن النهي دائم في كل الأزمان وكل الأحوال، فكان الاشتراط للتنبيه على الدائم آكد. وقيل: إنما خص الأمور المذكورة لكثرة وقوعها من النساء، ولا يحجزهن عنها شرف النسب، قال ابن الجوزي: وجملة من أحصى من المبايعات إذ ذاك أربعمائة وسبعة وخمسون امرأة، ولم يصافح في البيعة امرأة وإنما بايعهن بالكلام بهذه الآية انتهى. " وعن أسماء بنت يزيد بن السكن أنها قالت: كنت في النسوة المبايعات فقلت: يا رسول الله أبسط يدك نبايعك، فقال: إني لا أصافح النساء، ولكن آخذ عليهن ما أخذ الله عليهن "، رواه البخاري وقيل: صافحهن بحائل أي ثوب. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بايع النساء دعا بقدح من ماء، ثم غمس يده فيه فغمسن أيديهن فيه، والأول أولى وأصح، وهذا هو البيعة الثانية بالسنة في دين الإسلام، والتي أحللها الصوفية والمشايخ وجهلة المتصوفة، فلا تثبت بدليل شرعي، ولا اعتداد بها، بل هي مصادمة لما ثبت بالكتاب والسنة كما ترى. (واستغفر لهن الله) أي اطلب من الله المغفرة لهن بعد هذه المبايعة لهن منك مما سلف، ومما يقع منهن (إن الله غفور رحيم) أي بليغ المغفرة بتمحيق ما سلف، وكثير الرحمة لعباده بتوفيق ما ائتنف.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب