الباحث القرآني

(واختار موسى قومه سبعين رجلاً) هذا شروع في بيان ما كان من موسى ومن القوم الذين اختارهم، والأختيار افتعال من الخيار، يقال اختار الشيء إذا أخذ خيره وخياره، والمعنى اختار من قومه فحذف كلمة من وذلك شائع في العربية لدلالة الكلام عليه قيل اختار من كل سبط من قومه ستة نفر فكانوا اثنين وسبعين، فقال ليتخلف منكم رجلان فتشاحنوا فقال لمن قعد منكم مثل أجر من خرج فقعد يوشع بن نون وكالب بن يوفنا وذهب معه الباقون. وروي أنه لم يصب إلا ستين شيخاً فأوحى الله إليه أن يختار من الشبان عشرة فاختارهم فأصبحوا شيوخاً فأمرهم موسى أن يصوموا ويطهروا ثيابهم ثم خرج بهم إلى طور سيناء ذكره الخطيب وقيل غير ذلك. (لميقاتنا) أي للوقت الذي وقتناه له بعد أن وقع من قومه ما وقع، والميقات الكلام الذي تقدم ذكره لأن الله أمره أن يأتي إلى الطور في ناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه سبحانه من عبادة العجل، كذا قيل وقال مجاهد: المعنى لتمام الموعد، وقيل هذا الميقات غير ميقات الكلام السابق في قوله: (وواعدنا موسى) فهذا بعد ميقات الكلام ولم يبينوا مدة هذا. وقال ابن عباس: أمره الله أن يختار سبعين رجلاً فاختارهم وبرز بهم ليدعو ربهم فكان فيما دعوا لله أن قالوا اللهم أعطنا ما لم تعط أحداً من قبلنا ولا تعطه أحداً بعدنا فكره الله ذلك من دعائهم فأخذتهم الرجفة كما قال: (فلما أخذتهم الرجفة) هي في اللغة الزلزلة الشديدة قيل إنهم زلزلوا حتى ماتوا يوماً وليلة وقال وهب لم تكن موتاً ولكن أخذتهم الرِّعدة وقلقوا ورجفوا حتى كادت أن تبين مفاصلهم. ومعظم الروايات أنهم ماتوا قال مجاهد: ماتوا ثم أحياهم الله تعالى وسبب أخذ الرجفة لهم ما حكى الله عنهم من قولهم: (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة) على ما تقدم في البقرة وقيل هؤلاء السبعون غير من قالوا أرنا الله جهرة بل أخذتهم الرجفة بسبب عدم انتهائهم عن عبادة العجل، وقيل إنهم قوم لم يرضوا بعبادة العجل ولا نهوا السامري ومن معه عن عبادته فأخذتهم الرجفة بسبب سكوتهم. فلما رأى موسى أخذ الرجفة لهم (قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل) المعنى لو شئت إهلاكنا لأهلكتنا بذنوبنا قبل هذا الوقت وقال ذلك اعترافاً منه عليه السلام بالذنب وتلهفاً على ما فرط من قومه (وإياي) معهم وذلك أنه خاف أن يتهمه بنو إسرائيل على السبعين ولم يصدقوا بأنهم ماتوا. (أتهلكنا بما فعل السفهاء منا) الاستفهام للجحد أي لست ممن يفعل ذلك قاله ثقة منه برحمة الله، والمقصود منه الاستعطاف والتضرع، قاله ابن الأنباري وقيل معناه الدعاء والطلب أي لا تهلكنا قاله المبرد، وقيل قد علم موسى أنه لا يهلك أحد بذنب غيره ولكنه كقول عيسى " عليه السلام إن تعذبهم فإنهم عبادك وقيل المراد بالسفهاء السبعون، والمعنى أتهلك بني إسرائيل بما فعل هؤلاء السفهاء في قولهم أرنا الله جهرة، وقيل المراد بهم السامري وأصحابه. (إن هي) قال الواحدي: الكناية في هي تعود إلى الفتنة كما تقول إن هو إلا زيد (إلا فتنتك) التي تختبر بها من شئت وتمتحن بها من أردت، ولعله عليه السلام استفاد هذا من قوله سبحانه: (إنا قد فتنا قومك من بعدك) قال أبو العالية: بليَّتك وقال ابن عباس: مشيئتك (تضل بها) أي بهذه الفتنة (من تشاء) من عبادك (وتهدي) بها (من تشاء) منهم ومثله (ليبلوكم أيكم أحسن عملاً) قال الواحدي: وهذه الآية من الحجج الظاهرة على القدرية التي لا يبقى لهم معها عذر. ثم رجع إلى الاستعطاف والدعاء فقال: (أنت ولينا) أي المتولي لأمورنا وهذا يفيد الحصر أي لا ناصر ولا حافظ إلا أنت (فاغفر لنا) ما أذنبناه (وارحمنا) برحمتك التي وسعت كل شيء (وأنت خير الغافرين) للذنوب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب