الباحث القرآني

(وقالوا لا تذرن آلهتكم) أي لا تتركوا عبادة آلهتكم وهي الأصنام والصور التي كانت لهم ثم عبدتها العرب من بعدهم، وبهذا قال الجمهور (ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً) أي لا تتركوا عبادة هذه الأوثان. قال محمد بن كعب: هذه أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح، فنشأ بعدهم قوم يقتدون بهم في العبادة. فقال لهم إبليس لو صورتم صورهم كان أنشط لكم وأشوق إلى العبادة ففعلوا، ثم نشأ قوم من بعدهم فقال لهم إبليس إن الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم فاعبدوهم، فابتداء عبادة الأوثان كان من ذلك الوقت، وسميت هذه الصور بهذه الأسماء لأنهم صوروها على صور أولئك القوم. وقال عروة بن الزبير وغيره إن هذه كانت أسماء أولاد آدم وكان ود أكبرهم، وكانوا عباداً فمات رجل منهم فحزنوا عليه، فقال الشيطان أنا أصور لكم مثله إذا نظرتم إليه ذكرتموه، قالوا افعل فصوره في المسجد من صفر ورصاص، ثم مات آخر فصوره حتى ماتوا كلهم وصورهم، فلما تقدم الزمان تركت الناس عبادة الله فقال لهم الشيطان ما لكم لا تعبدون شيئاًً قالوا وما نعبد، قال آلهتكم وآلهة آبائكم، ألا ترون أنها في مصلاكم فعبدوها من دون الله حتى بعث الله نوحاً عليه السلام فقالوا (لا تذرن آلهتكم) الآية. قال الماوردي: فأما ود فهو أول صنم معبود سمي وداً لودهم له وكان بعد قوم نوح لكلب بدومة الجندل، في قول ابن عباس وعطاء ومقاتل، وفيه يقول شاعرهم: حياك ود فإنا لا يحل لنا ... لهو النساء وإن الدين قد غربا وأما سواع فكان لهذيل بساحل البحر، وأما يغوث فكان لغطيف من مراد بالجرف من سبأ في قول قتادة، وقال المهدوي: لمراد ثم لغطفان، وأما يعوق فكان لهمدان في قول قتادة وعكرمة وعطاء، وقال الثعلبي: كان لكهلان بن سبأ ثم توارثوه حتى صار في همدان وفيه يقول مالك بن نمط الهمداني. يريش الله في الدنيا ويبري ... ولا يبري يعوق ولا يريش وأما نسر فكان بذي الكلاع من حمير في قول قتادة ومقاتل، قال ابن عباس هذه الأصنام كانت تعبد في زمن نوح، قال الواقدي كان ود على صورة رجل، وسواع على صورة امرأة، ويغوث على صورة أسد، ويعوق على صورة فرس، ونسر على صورة النسر الطائر. قال البقاعي: ولا يعارض هذا أنهم صور لناس صالحين لأن تصويرهم لهم يمكن أن يكون منتزعاً من معانيهم، فكان ود كاملاً في الرجولية، وكان سواع امرأة كاملة في العبادة، وكان يغوث شجاعاً وكان يعوق سابقاً قوياً وكان نسر عظيماً طويل العمر، ومثله في القرطبي. وأخرج البخاري وابن المنذر، وابن مردويه عن ابن عباس قال: " صارت الأوثان التي كانت تعبد في قوم نوح في العرب. أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع فكانت لهذيل وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف، وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع، أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن أنصبوا إلى مجلسهم الذي كانوا يجلسون فيه أنصاباً وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى هلك أولئك ونسخ العلم فعبدت ". وفي الصحيحين من حديث عائشة أن أم حبيبة وأم سلمة " ذكرتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأيتاها بأرض الحبشة تسمى مارية فيها تصاوير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أولئك كان إذا مات الرجل الصالح منهم بنوا على قبره مسجداً ثم صوروا فيه تلك الصور، أولئك شر الخلق عند الله يوم القيامة " قرأ الجمهور وداً بفتح الواو، وقرىء بضمها، قال الليث: ود بضم الواو صنم لقريش، وبفتحها صنم كان لقوم نوح وبه سمي عمرو بن ود قال في الصحاح: والود بالفتح الوتد في لغة أهل نجد كأنهم سكنوا التاء وأدغموها في الدال، وقرأ الجمهور يغوث ويعوق بغير تنوين، فإن كانا عربيين فالمنع من الصرف للعلمية ووزن الفعل، وإن كانا أعجميين فللعجمة والعلمية، وقرىء يغوثاً ويعوقاً بالنصب مصروفين لأمرين (أحدهما) أنه صرفهما للتناسب إذ قبلهما اسمان منصرفان وبعدهما اسم منصرف كما صرف سلاسل (والثاني) أنه جاء على لغة من يصرف غير المنصرف مطلقاً، وهي لغة حكاها الكسائي ذكره السمين. وقال ابن عطية وذلك وهم، ووجه تخصيص هذه الأصنام بالذكر مع دخولها تحت الآلهة أنها كانت أكبر أصنامهم وأعظمها، ولم يذكر النفي مع يعوق ونسرا لكثرة التكرار وعدم اللبس.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب