الباحث القرآني

سورة الجن ثمان وعشرون آية وهي مكية قال القرطبي في قول الجميع، عن ابن عباس قال نزلت بمكة وعن عائشة وابن الزبير مثله وتسمى سورة قل أوحي. بسم الله الرحمن الرحيم قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) (قل) يا محمد للناس (أوحي إليّ) ليعرفوا بذلك وأنك مبعوث إلى الجن كالإنس، ولتعلم قريش أن الجن مع تمردهم لما سمعوا القرآن وعرفوا إعجازه آمنوا قرأ الجمهور أوحي رباعياً وقرىء وحي ثلاثياً وهما لغتان، والمعنى أخبرت بالوحي من الله. (أنه استمع نفر من الجن) واختلف هل رآهم النبي صلى الله عليه وسلم أم لم يرهم، فظاهر القرآن أنه لم يرهم لأن المعنى قل يا محمد لأمتك أوحي إليّ على لسان جبريل أنه استمع نفر من الجن، ومثله قوله (وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن). ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيح قال " ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن وما رآهم "، وروى ابن مسعود أنه رآهم، ورجحه العلماء والحق صحتهما وإن الأول وقع أولا ثم نزلت السورة، ثم أمر بالخروج إليهم، قال عكرمة والسورة التي كان يقرؤها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي (اقرأ باسم ربك الذين خلق) وقد تقدم في سورة الأحقاف ذكر ما يفيد زيادة في هذا. والنفر اسم للجماعة ما بين الثلاثة إلى العشرة، قال البغوي كانوا تسعة وقيل سبعة وقد اختلف الناس قديماً وحديثاً في ثبوت وجود الجن فأنكر وجودهم معظم الفلاسفة، واعترف به جمع منهم وسموهم بالأرواح السفلية، وزعموا أنهم أسرع إجابة من الأرواح الفلكية إلا أنهم أضعف. وأما جمهور أرباب الملل وهم أتباع الرسل والشرائع فقد اعترفوا بوجودهم، لكن اختلفوا في ماهيتهم وقد نطق الكتاب العزيز والسنة المطهرة بوجودهم فلا اعتداد بمنكريهم، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، قال الضحاك: والجن ولد الجان وليسوا بشياطين، وقال الحسن: إنهم ولد إبليس وقيل هم أجسام عاقلة خفية تغلب عليهم النارية والهوائية، وقيل نوع من الأرواح المجردة وقيل هي النفوس البشرية المفارقة لأبدانها. وقد اختلف أهل العلم في دخول مؤمني الجن الجنة كما تدخل عصاتهم النار لقوله في سورة تبارك (وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ) وقول الجن فيما سيأتي في هذه السورة (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) وغير ذلك من الآيات، فقال الحسن: يدخلون الجنة وقال مجاهد: لا يدخلونها وإن صرفوا عن النار والأول أولى لقوله في سورة الرحمن. (لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان) وفي سورة الرحمن آيات غير هذه تدل على ذلك فراجعها، وقد قدمنا أن الحق أنه لم يرسل الله إليهم رسلاً منهم بل الرسل جميعاً من الإنس، وإن أشعر قوله (قد أرسلنا إليكم رسلاً منكم) بخلاف هذا فهو مدفوع الظاهر بآيات كثيرة في الكتاب العزيز دالة على أن الله سبحانه لم يرسل الرسل إلا من بني آدم، وهذه الأبحاث الكلام فيها يطول، والمراد الإشارة بأخصر عبارة، قال ابن مسعود في الآية: كانوا من جن نصيبين. وقد أخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وغيرهم عن ابن عباس " قال انطلق النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا ما لكم، فقيل حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب، قالوا ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها لتعرفوا ما هذا الأمر الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فانصرف أولئك الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له قالوا هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهناك رجعوا إلى قومهم فقالوا يا قومنا (إنا سمعنا قرآنا عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً) فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم (قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجن) وإنما أوحي إليه قول الحق. (فقالوا) لقومهم لما رجعوا إليهم (إنا سمعنا قرآناً) أي كلاما مقروءاً (عجباً) في فصاحته وبلاغته وغزارة معانيه وغير ذلك، وقيل عجباً في مواعظه، وقيل في بركته، وعجباً مصدر وصف به للمبالغة أو على حذف المضاف أي ذا عجب أو المصدر بمعنى اسم الفاعل أي معجباً.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب