الباحث القرآني

(يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول) الأمر هنا بالاستجابة مؤكد لما سبق من الأمر بالطاعة والاستجابة الطاعة، قال أبو عبيدة: معنى استجيبوا (أجيبوا) والسين والتاء زائدتان وإن كان استجاب يتعدى باللام وأجاب بنفسه كما في قوله (يا قومنا أجيبوا داعي الله) وقد يتعدى استجاب بنفسه. (إذا دعاكم) وحد الضمير هنا كما وحده في قوله: (ولا تولوا عنه) لان استجابة الرسول استجابة لله تعالى، وإنما يذكر أحدهما مع الآخر للتوكيد، وقد تقدم وجه ذلك (لما يحيييكم) أي استجيبوا لما يحيييكم إذا دعاكم، ولا مانع من أن تكون اللام متعلقة بدعا أي إذا دعاكم إلى ما فيه حياتكم من علوم الشريعة، لأن العلم حياة، كما أن الجهل موت. لا تعجبنّ الجهولَ حلّته ... فذاك ميت وثوبه كفن قال الجمهور من المفسرين: المعنى استجيبوا للطاعة وما تضمنه القرآن من أوامر ونواهي ففيه الحياة الأبدية والنعمة السرمدية، وقيل المراد الجهاد فإنه سبب الحياة في الظاهر لأن العدو إذا لم يغُز غزا، قاله ابن إسحق، وقال السدي: هو الإيمان لأن الكافر ميت فيحيا بالإيمان، وقال مجاهد: هو الحق. وقيل هو الشهادة لأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، وعن قتادة قال: هذا هو القرآن فيه الحياة والثقة والنجاة والعصمة في الدنيا والآخرة، وقال عروة ابن الزبير: للحرب التي أعزكم الله بها بعد الذل، وقواكم بها بَعْد الضعف ومنعكم بها من العذاب بعد القهر منهم لكم. وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي سعيد بن المعلى قال: كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم أجبه ثم أتيته فقلت: يا رسول الله إني كنت أصلي فقال: ألم يقل الله تعالى: (استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم) الحديث [[ابن كثير 2/ 297.]]. وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على أبي بن كعب وهو يصلي فقال: يا أُبَيّ فالتفت أبي ولم يجبه، الحديث وفيه فقال: إني كنت في الصلاة فقال: أفلم تجد فيما أوحى الله إلى (استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم)؟ قال: بلى ولا أعود إن شاء الله تعالى، أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح. وهذه الإجابة مختصة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وليس لأحد أن يقطع صلاته لدعاء أحد آخر وقيل لو دعاه أحد لأمر مهم لا يحتمل التأخير فله أن يقطع صلاته والأول أولى. ويستدل بهذا الأمر بالاستجابة على أنه لا بد من الإجابة في كل ما دعا الله ورسوله إليه، فيجب على كل مسلم إذا بلغه قول الله أو قول رسوله في حكم من الأحكام الشرعية أن يبادر إلى العمل به كائناً ما كان، ويدع ما خالفه من الآراء وأقوال الرجال. وفي هذه الآية الشريفة أعظم باعث على العمل بنصوص الأدلة وترك التقليد بالمذاهب وعدم الاعتداد بما يخالف ما في الكتاب والسنة كائناً ما كان. (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) قيل معناه بادروا إلى الاستجابة قبل أن لا تتمكنوا منها بزوال القلوب التي تعقلون بها بالموت الذي كتبه الله عليكم وقيل معناه أنه خاف المسلمون يوم بدر كثرة العدو فأعلمهم الله أنه يحول بين المرء وقلبه بأن يبدلهم بعد الخوف أمناً ويبدل عدوهم من الأمن خوفاً، واختار ابن جرير أن هذا من باب الإخبار من الله عز وجل بأنه أملك لقلوب عباده منهم وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء حتى لا يدرك الإنسان شيئاً إلا بمشيئته عز وجل. ولا يخفاك أنه لا مانع من حمل الآية على هذه المعاني، وقال ابن عباس: يحول بين المؤمن وبين الكفر ومعاصي الله، ويحول بين الكافر وبين الإيمان وطاعة الله، وبه قال سعيد بن جبير والضحاك ومجاهد، وقال السدي: يحول بين الإنسان وقلبه فلا يستطيع أن يؤمن أو يكفر إلا بإذنه وإرادته. قيل وهذا القول هو الذي دلت عليه البراهين العقلية لأن أحوال القلوب اعتقادات ودواع وإرادات، وتلك الإرادات لا بد لها من فاعل مختار وهو الله تعالى، فثبت بذلك أن المتصرف في القلب كيف شاء هو الله، فالمعنى أنه يحول بين المرء وخواطر قلبه أو وإدراك قلبه بمعنى أنه يمنعه من حصول مراده أو يمنعه من الإدراك والفهم. وفي الشهاب أصل الحول كما قال الراغب: تغير الشيء وانفصاله عن غيره وباعتبار التغير قيل حال الشيء يحول، وباعتبار الانفصال قيل حال بينهما كذا، فحقيقة كون الله يحول بين المرء وقلبه أنه يفصل بينهما، ومعناه الحقيقي غير متصور في حقه فهو مجاز عن غاية القرب من العبد لأن من فصل بين شيئين كان أقرب إلى كل منهما من الآخر لاتصاله بهما وانفصال أحدهما عن الآخر، وهو إما استعارة تبعية فمعنى يحول يقرب أو تمثيلية. وقيل أن الأنسب أن يكون مجازاً مركباً مرسلاً لاستعماله في لازم معناه وهو القرب وليس ببعيد، وقال أبو السعود: تمثيل لغاية قربه من العبد كقوله: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) وتنبيه على أنه مطلع على مكنونات القلوب ما عسى يغفل عنه صاحبها أو حث على المبادرة إلى إخلاص القلوب وتصفيتها قبل إدراك المنية فإنها حائلة بين المرء وقلبه، أو تصوير وتخييل لتملكه على العبد قلبه بحيث يفسخ عزائمه ويغير نياته ومقاصده ويحول بينه وبين الكفر إن أراد سعادته ويبدله بالأمن خوفاً وبالذكر نسياناً وما أشبه ذلك من الأمور العارضة المفوتة للفرصة اهـ. وقال الربيع بن أنس: علمه يحول، وقال مجاهد: يحول حتى يتركه لا يعقل، وعن الحسن قال: في القرب منه، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث شاء ثم قال اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك [[مسلم 2654. وروى الترمذي 2/ 36 عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول: " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " فقلت: يا نبي الله آمنا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: " نعم، إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف شاء ". قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.]] أخرجه مسلم، وفي الباب أحاديث. (وأنه إليه تحشرون) أي وأنكم محشورون إليه وهو مجازيكم بالخير خيراً وبالشر شراً، قال الفراء: ولو استأنفت فكسرت همزة إنه لكان صواباً، ولعل مراده أن مثل هذا جائز في العربية. وهذا الحديث من أحاديث الصفات يجب إمراره على ما جاء من غير تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه، وكذا هذه الآية وكونه من الصفات يرد تأويلها بالتمثيل. وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب