الباحث القرآني

(وشاهد ومشهود) نكرهما دون بقية ما أقسم به لاختصاصهما من بين الأيام بفضيلة ليست لغيرهما فلم يجمع بينهما وبين البقية بلام الجنس. وهذا جواب أيضاًً عما يقال لم خصصهما بالذكر دون بقية الأيام؟ وإنما لم يعرفا بلام الجهد لأن التنكير أدل على التفخيم والتعظيم بدليل قوله تعالى (وإلهكم إله واحد) والمراد بالشاهد من يشهد في ذلك اليوم من الخلائق أي يحضر فيه والمراد بالمشهود ما يشاهد في ذلك اليوم من العجائب. وذهب جماعة من الصحابة والتابعين إلى أن الشاهد يوم الجمعة وأنه يشهد على كل عامل بما عمل فيه، والمشهود يوم عرفة لأنه يشهد الناس فيه موسم الحج وتحضره الملائكة، قال الواحدي وهذا قول الأكثر، قال ابن عباس: الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة وهو الحج الأكبر. فيوم الجمعة جعله الله عيداً لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته وفضله بها على الخلق أجمعين وهو سيد الأيام عند الله وأحب الأعمال إلى الله، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يصلي يسأل الله فيها خيراً إلا أعطاه إياه، أخرجه ابن مردويه. وحكى القشيري عن ابن عمر وابن الزبير أن الشاهد يوم الأضحى، وقال سعيد بن المسيب: الشاهد يوم التروية والمشهود يوم عرفة، وقال النخعي: الشاهد يوم عرفة والمشهود يوم النحر: وقيل الشاهد هو الله سبحانه، وبه قال الحسن وسعيد بن جبير لقوله (وكفى بالله شهيداً) وقوله (قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم). وقيل الشاهد محمد صلى الله عليه وآله وسلم لقوله (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً). وقوله (يا أيها الرسول إنا أرسلناك شاهداً) وقوله (ويكون الرسول عليكم شهيداً) وقيل الشاهد جميع الأنبياء لقوله (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد). وقيل هو عيسى ابن مريم لقوله (وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم). والمشهود على هذه الأقوال الثلاثة إما أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أو أمم الأنبياء أو أمة عيسى. وقيل الشاهد آدم والشهود ذريته، وقال محمد بن كعب: الشاهد الإنسان لقوله (كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً) وقال مقاتل أعضاؤه لقوله (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم). وقال الحسين بن الفضل: الشاهد هذه الأمة والمشهود سائر الأمم لقوله (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس) وقيل الشاهد الحفظة والمشهود بنو آدم " وقيل الأيام والليالي، وقيل الشاهد الخلق يشهدون لله عز وجل بالوحدانية والمشهود له بالوحدانية هو الله سبحانه. وسيأتي بيان ما هو الحق. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " اليوم الموعود يوم القيامة واليوم المشهود يوم عرفة والشاهد يوم الجمعة " وما طلعت الشمس ولا غربت على يوم أفضل منه فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله بخير إلا استجاب الله له، ولا يستعيذ من شيء إلا أعاذ منه " أخرجه الترمذي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه. وعن أبي هريرة رفعه " قال الشاهد يوم عرفة ويوم الجمعة والمشهود هو الموعود يوم القيامة " أخرجه الحاكم وصححه والبيهقي وابن مردويه [[رواه الترمذي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وفي سنده موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف كما قال الحافظ ابن حجر في " التقريب "، وقال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث موسى بن -[160]- عبيدة، وموسى بن عبيدة: يضعف في الحديث، ضعفه يحيى بن سعيد وغيره من قبل حفظه، وقال ابن كثير: وروى هذا الحديث ابن خزيمة من طرق عن موسى بن عبيدة الربذي، وهو ضعيف، وقد روي موقوفاً على أبي هريرة، وهو أشبه.]]. وعن علي بن أبي طالب اليوم الموعود يوم القيامة والمشهود يوم النحر والشاهد يوم الجمعة. وعن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اليوم الموعود يوم القيامة والشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة " أخرجه ابن جرير والطبراني وابن مردويه. وعن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الآية " الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة " أخرجه ابن عساكر وابن مردويه، وعن أبي هريرة مثله موقوفاً. وعن سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سيد الأيام يوم الجمعة وهو الشاهد، والمشهود يوم عرفة " وهذا مرسل من مراسيله أخرجه سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه. وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أكثروا من الصلاة عليَّ يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة " أخرجه ابن ماجه والطبراني وابن جرير. وعن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال في الآية الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة، وعن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما أن رجلاً سأله عن قوله (وشاهد ومشهود) قال هل سألت أحداً قبلي قال نعم سألت ابن عمر وابن الزبير فقالا يوم الذبح ويوم الجمعة قال لا ولكن الشاهد محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثم قرأ (وجئنا بك على هؤلاء شهيداً) والمشهود يوم القيامة، ثم قرأ (ذلك يوم مشهود) وعن الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما في الآية قال الشاهد جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمشهود يوم القيامة ثم تلا (إنا أرسلناك شاهداً) (ذلك يوم مشهود). وعن ابن عباس قال اليوم الموعود يوم القيامة والشاهد محمد صلى الله عليه وسلم والمشهود يوم القيامة ثم تلا ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود. وعنه قال الشاهد الله والشهود يوم القيامة. قلت وهذه التفاسير عن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفت كما ترى وكذلك اختلفت تفاسير التابعين بعدهم، واستدل من استدل منهم بآيات ذكر الله فيها أن ذلك الشيء شاهد أو مشهود، فجعله دليلاً على أنه المراد بالشاهد والمشهود في هذه الآية المطلقة، وليس ذلك بدليل يستدل به على أن الشاهد والمشهود المذكورين في هذا المقام هو ذلك الشاهد والمشهود الذي ذكر في آية أخرى، وإلا لزم أن يكون قوله هنا وشاهد ومشهود هو جميع ما أطلق عليه في الكتاب العزيز أو السنة المطهرة أنه يشهد أو أنه مشهود، وليس بعض ما استدلوا به مع اختلافه بأولى من بعض، ولم يقل قائل ذلك. فإن قلت هل في المرفوع الذي ذكرته من حديثي أبي هريرة وحديث أبي مالك الأشعري وحديث جبير بن مطعم ومرسل سعيد بن المسيب ما يعين هذا اليوم الموعود والشاهد والمشهود. قلت أما اليوم الموعود فلم تختلف هذه الروايات التي ذكر فيها بل اتفقت على أنه يوم القيامة، وأما الشاهد ففي حديث أبي هريرة الأول أنه يوم الجمعة وفي حديثه الثاني أنه يوم عرفة ويوم الجمعة، وفي حديث الأشعري أنه يوم الجمعة، وفي حديث جبير أنه يوم الجمعة وفي مرسل سعيد أنه يوم الجمعة فاتففت هذه الأحاديث عليه، ولا تضر زيادة يوم عرفة عليه في حديث أبي هريرة الثاني. وأما المشهود ففي حديث أبي هريرة الأول أنه يوم عرفة وفي حديثه الثاني أنه يوم القيامة وفي حديث أبي مالك أنه يوم عرفة وفي حديث جبير أنه يوم عرفة، وكذا في حديث سعيد، فقد تعين في هذه الروايات أنه يوم عرفة، وهي أرجح من تلك الرواية التي صرح فيها بأنه يوم القيامة، فحصل من مجموع هذا رجحان ما ذهب إليه الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أن الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة، وأما اليوم الموعود فقد قدمنا أنه وقع الإجماع على أنه يوم القيامة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب