الباحث القرآني

(عفا الله عنك لم أذنت لهم) الاستفهام للإنكار من الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم حيث وقع منه الإذن لمن استأذنه في القعود قبل أن يتبين من هو صادق منهم في عذره الذي أبداه، ومن هو كاذب فيه، وفي ذكر العفو عنه صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن هذا الإذن الصادر منه كان خلاف الأولى، وفي هذا عتاب لطيف من الله سبحانه، وقيل أن هذا عتاب له صلى الله عليه وآله وسلم في إذنه للمنافقين بالخروج معه لا في إذنه لهم بالقعود عن الخروج، قاله الطبري والأول أولى. وقد رخص له سبحانه في سورة النور بقوله: (فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم) ويمكن أن يجمع بين الآيتين بأن العتاب هنا متوجه إلى الإذن قبل الاستثبات حتى يتبين الصادق من الكاذب، والإذن هنالك متوجه إلى الإذن بعد الاستثبات والله أعلم. وقيل إن قوله: (عفا الله عنك) افتتاح كلام كما تقول أصلحك الله وأعزك ورحمك كيف فعلت كذا وكذا، حكاه مكي والنحاس والمهدوي، وعلى هذا التأويل يحسن الوقف على (عفا الله عنك) وعلى التأويل الأول لا يحسن، ولا يخفاك أن التفسير الأول هو المطابق لما يقتضيه اللفظ على حسب اللغة العربية، ولا وجه لإخراجه عن معناه العربي. وفي الآية دليل على جواز الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم والمسألة مدونة في الأصول، وفيها أيضاً دلالة على مشروعية الاحتراز عن العجلة والاغترار بظواهر الأمور. وقال عمرو بن ميمون: اثنان فعلهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باجتهاده لم يؤمر فيهما بشيء: إذنه للمنافقين في التخلف، وأخذه الفداء من أسارى بدر، فعاتبه الله كما تسمعون، قال سفيان بن عيينة: انظر هذا التلطف به، بدأ بالعفو قبل أن يعيره بالذنب. و (حتى) في قوله: (حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين) للغاية، كأنه قيل لم سارعت إلى الإذن لهم، وهلا تأنيت حتى يتبين لك صدق من هو صادق منهم في العذر الذي أبداه، وكذب من هو كاذب منهم في دعواه، قال ابن عباس: لم يكن يعرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المنافقين يومئذ حتى نزلت سورة براءة. ثم ذكر سبحانه أنه ليس من عادة المؤمنين أن يستأذنوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القعود عن الجهاد، بل كان من عادتهم أنه صلى الله عليه وسلم إذا أذن لواحد منهم بالقعود شق عليه ذلك فقال:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب