الباحث القرآني

﴿قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ ولا تُرْهِقْنِي مِن أمْرِي عُسْرًا﴾ اعْتَذَرَ مُوسى بِالنِّسْيانِ، وكانَ قَدْ نَسِيَ التِزامَهُ بِما غَشِيَ ذِهْنَهُ مِن مُشاهَدَةِ ما يُنْكِرُهُ. والنَّهْيُ مُسْتَعْمَلٌ في التَّعَطُّفِ، والتِماسِ عَدَمِ المُؤاخَذَةِ؛ لِأنَّهُ قَدْ يُؤاخِذُهُ عَلى النِّسْيانِ مُؤاخَذَةَ مَن لا يَصْلُحُ لِلْمُصاحَبَةِ لِما يَنْشَأُ عَنِ النِّسْيانِ مِن خَطَرٍ، فالحَزامَةُ الِاحْتِرازُ مِن صُحْبَةِ مَن يَطْرَأُ عَلَيْهِ النِّسْيانُ، ولِذَلِكَ بُنِيَ كَلامُ مُوسى عَلى طَلَبِ عَدَمِ المُؤاخَذَةِ بِالنِّسْيانِ، ولَمْ يُبْنَ عَلى الِاعْتِذارِ بِالنِّسْيانِ، كَأنَّهُ رَأى نَفْسَهُ مَحْقُوقًا بِالمُؤاخَذَةِ، فَكانَ كَلامًا بَدِيعَ النَّسِيجِ في الِاعْتِذارِ. والمُؤاخَذَةُ: مُفاعَلَةٌ مِنَ الأخْذِ، وهي هُنا لِلْمُبالَغَةِ؛ لِأنَّها مِن جانِبٍ واحِدٍ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿ولَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النّاسَ بِظُلْمِهِمْ﴾ [النحل: ٦١] . و(ما) مَصْدَرِيَّةٌ، أيْ لا تُؤاخِذْنِي بِنِسْيانِي. (p-٣٧٧)والإرْهاقُ: تَعْدِيَةُ رَهَقَ، إذا غَشِيَ ولَحِقَ، أيْ لا تُغْشِنِي عُسْرًا، وهو هُنا مَجازٌ في المُعامَلَةِ بِالشِّدَّةِ. والإرْهاقُ: مُسْتَعارٌ لِلْمُعامَلَةِ والمُقابَلَةِ. والعُسْرُ: الشِّدَّةُ وضِدُّ اليُسْرِ، والمُرادُ هُنا: عُسْرُ المُعامَلَةِ، أيْ عَدَمُ التَّسامُحِ مَعَهُ فِيما فَعَلَهُ، فَهو يَسْألُهُ الإغْضاءَ والصَّفْحَ. والأمْرُ: الشَّأْنُ. و(مِن) يَجُوزُ أنْ تَكُونَ ابْتِدائِيَّةً، فَكَوْنُ المُرادِ بِأمْرِهِ نِسْيانَهُ، أيْ لا تَجْعَلْ نِسْيانِي مُنْشِئًا لِإرْهاقِي عُسْرًا، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ بَيانِيَّةً؛ فَيَكُونُ المُرادُ بِأمْرِهِ شَأْنَهُ مَعَهُ، أيْ لا تَجْعَلْ شَأْنِي إرْهاقَكَ إيّايَ عُسْرًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب