الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى: لَا أَحَدَ أَظْلَمَ وَلَا أَعْتَى وَلَا أَشَدَّ إِجْرَامًا ﴿مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ وتَقَوّل [[في ت: "ويقول".]] عَلَى اللَّهِ، وَزَعَمَ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ، وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَلَيْسَ أَحَدٌ أَكْبَرَ جُرْمًا وَلَا أَعْظَمَ ظُلما مِنْ هَذَا، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَخْفَى أَمْرُهُ عَلَى الْأَغْبِيَاءِ، فَكَيْفَ يُشْتَبَهُ حَالُ هَذَا بِالْأَنْبِيَاءِ! فَإِنَّ مَنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ صَادِقًا أَوْ كَاذِبًا، فَلَا بُدَّ أَنَّ اللَّهَ يَنصب عَلَيْهِ مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى برِّه أَوْ فُجُوره مَا [[في ت: "وما".]] وَأَظْهَرَ مِنَ الشَّمْسِ، فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ مُحَمَّدٍ ﷺ وَبَيْنَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ [لَعَنَهُ اللَّهُ] [[زيادة من أ.]] لِمَنْ شَاهَدَهُمَا أَظْهَرُ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ وَقْتِ الضُّحَى وَوَقْتِ نِصْفِ اللَّيْلِ فِي حنْدس الظَّلْمَاءِ، فَمِنْ سِيمَا كُلٍّ مِنْهُمَا وَكَلَامِهِ وَفِعَالِهِ يَستدّل مَنْ لَهُ بَصِيرَةٌ عَلَى صِدْقِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَكَذِبِ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ، وسَجَاح، وَالْأَسْوَدِ العَنْسي. [[في أ: "العبسي".]] قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ انْجَفَل النَّاسُ، فَكُنْتُ فِيمَنِ انْجَفَلَ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ عَرَفَتْ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ رَجُلٍ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلَ مَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، [وَصِلُوا الْأَرْحَامَ] [[زيادة من ت، أ: والمسند.]] وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ". [[رواه أحمد في المسند (٥/٤٥١) والترمذي في السنن برقم (٢٤٨٥) وقال الترمذي: "حديث صحيح".]] وَلَمَّا قَدم ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي [[في أ: "من".]] قَوْمِهِ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ فِيمَا قَالَ لَهُ [[في ت: "فيما قاله".]] مَنْ رَفَعَ هَذِهِ السَّمَاءَ؟ قَالَ: "اللَّهُ". قَالَ: وَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ؟ قَالَ: "اللَّهُ". قال: ومن سَطَحَ هَذِهِ الْأَرْضَ؟ قَالَ: "اللَّهُ". قَالَ: فَبِالَّذِي رَفَعَ هَذِهِ السَّمَاءَ، وَنَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ، وسَطَح هَذِهِ الْأَرْضَ: اللَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ؟ قَالَ: "اللَّهُمَّ نَعَمْ" ثُمَّ [[في أ: "قال: ثم".]] سَأَلَهُ عَنِ الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَالصِّيَامِ، وَيَحْلِفُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ [[في ت: "واحد".]] هَذِهِ الْيَمِينَ، وَيَحْلِفُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ لَهُ: صَدَقْتَ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا أَنْقُصُ. [[رواه مسلم في صحيحه برقم (١٢) مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بنحو هذا السياق.]] فَاكْتَفَى هَذَا الرَّجُلُ بِمُجَرَّدِ هَذَا، وَقَدْ أَيْقَنَ بِصِدْقِهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، بِمَا رَأَى وَشَاهَدَ مِنَ الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ: لَو لَمْ تَكُن [[في ت: "يكن".]] فِيهِ آياتٌ مُبَيّنة كَانَتْ بَديهَتُه [[في أ: "بدايته".]] تَأتيكَ بالخَبَرِ وَأَمَّا مُسَيْلِمَةُ فَمَنْ شَاهَدَهُ مِنْ ذَوي الْبَصَائِرِ، عَلِمَ أَمْرَهُ لَا مَحَالَةَ، بِأَقْوَالِهِ الرَّكِيكَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِفَصِيحَةٍ، وَأَفْعَالِهِ غَيْرِ الْحَسَنَةِ بَلِ الْقَبِيحَةِ، وَقُرْآنِهِ الَّذِي يُخَلَّدُ بِهِ فِي النَّارِ يَوْمَ الْحَسْرَةِ [[في ت، أ: "الحشر".]] وَالْفَضِيحَةِ، وَكَمْ مِنْ فَرْقٍ بَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ [الْبَقَرَةِ: ٢٥٥] . وَبَيْنَ عُلاك [[في ت: "علال".]] مُسَيْلِمَةَ قَبَّحَهُ اللَّهُ وَلَعَنَهُ: "يَا ضُفْدَعُ بِنْتَ [[في ت: "بين".]] الضُّفْدَعَيْنِ، نَقِّي كَمَا تُنَقِّينَ لَا الْمَاءُ تُكَدِّرِينَ، وَلَا الشَّارِبُ تَمْنَعِينَ". وَقَوْلُهُ -قُبّح وَلُعِنَ -: "لَقَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى الْحُبْلَى، إِذْ أَخْرَجَ مِنْهَا نَسَمة تَسْعَى، مِنْ بَيْنِ صِفَاق وحَشَى". وَقَوْلُهُ -خَدّره [[في ت، أ: "خلده".]] اللَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَقَدْ فَعَلَ -: "الْفِيلُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْفِيلُ؟ لَهُ زُلقُومٌ [[في ت، أ: "زلوم".]] طَوِيلٌ" وَقَوْلُهُ -أَبْعَدَهُ اللَّهُ مِنْ رَحْمَتِهِ: "وَالْعَاجِنَاتِ عَجْنًا، وَالْخَابِزَاتِ خَبْزًا، وَاللَّاقِمَاتِ [[في ت، أ: "فاللاقمات".]] لَقْمًا، إِهَالَةً وَسَمْنًا، إِنَّ قُرَيْشًا قَوْمٌ يَعْتَدُونَ" إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْهَذَيَانَاتِ وَالْخُرَافَاتِ الَّتِي يَأْنَفُ الصِّبْيَانُ أَنْ يَتَلَفَّظُوا بِهَا، إِلَّا عَلَى وَجْهِ السُّخْرِيَةِ وَالِاسْتِهْزَاءِ؛ وَلِهَذَا أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَهُ، وَشَرِبَ يَوْمَ "حَدِيقَةِ الْمَوْتِ" حَتْفَهُ. ومَزّق [[في ت، أ: "وتمزق".]] شَمْلَهُ. وَلَعَنَهُ صحبُه وَأَهْلُهُ. وَقَدِمُوا عَلَى الصِّدِّيقِ تَائِبِينَ، وَجَاءُوا فِي دِينِ اللَّهِ رَاغِبِينَ، فَسَأَلَهُمُ الصِّدِّيقُ خَلِيفَةُ الرَّسُولِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَرَضِيَ [اللَّهُ] [[زيادة من ت.]] عَنْهُ -أَنْ يَقْرَءُوا عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ قُرْآنِ مُسَيْلِمَةَ لَعَنَهُ اللَّهُ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يُعْفِيَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، فَأَبَى عَلَيْهِمْ إِلَّا أَنْ يَقْرَءُوا شَيْئًا مِنْهُ لِيُسْمِعَهُ مَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ النَّاسِ، فَيَعْرِفُوا فَضْلَ مَا هُمْ عَلَيْهِ [[في ت، أ: "فيه".]] مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ. فَقَرَءُوا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَأَشْبَاهَهُ، فَلَمَّا فَرَغُوا قَالَ لَهُمُ الصِّدِّيقُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَيْحَكُمْ! أَيْنَ كَانَ يُذهب بِعُقُولِكُمْ؟ وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَمْ يَخْرُجْ من إلٍّ. وَذَكَرُوا أَنْ وَفَدَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَلَى مُسَيْلِمَةَ، وَكَانَ صَدِيقًا لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ عَمْرٌو لَمْ يُسْلِمْ بعدُ، فَقَالَ لَهُ مُسَيْلِمَةُ: وَيْحَكَ يَا عَمْرُو، مَاذَا أُنْزِلَ عَلَى صَاحِبِكُمْ -يَعْنِي: رَسُولَ اللَّهِ ﷺ -فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ؟ فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ أَصْحَابَهُ يَقْرَءُونَ سُورَةً عَظِيمَةً قَصِيرَةً فَقَالَ: وَمَا هِيَ؟ فَقَالَ: ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [سُورَةُ الْعَصْرِ] ، فَفَكَّرَ مُسَيْلِمَةُ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ أُنْزِلَ عَلِيَّ مِثْلُهُ. فَقَالَ: وَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: "يَا وَبْرُ [[في ت، أ: "يا وبر وبر".]] إِنَّمَا أَنْتَ أُذُنَانِ وَصَدْرٌ، وَسَائِرُكَ حَقْرٌ نَقْر، كَيْفَ تَرَى يَا عَمْرُو؟ " فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: [[في ت: "عمر".]] وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ لَتَكْذِبُ"، فَإِذَا كَانَ هَذَا مِنْ مُشْرِكٍ فِي حَالِ شِرْكِهِ، لَمْ يُشْتَبَهْ عَلَيْهِ حَالُ مُحَمَّدٍ ﷺ وَصَدَّقَهُ، وَحَالُ مُسَيْلِمَةَ -لَعَنَهُ اللَّهُ -وَكَذَبَّهُ، فَكَيْفَ بِأُولِي [[في ت: "بأول".]] الْبَصَائِرِ وَالنُّهَى، وَأَصْحَابِ الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ الْمُسْتَقِيمَةِ وَالْحِجَى! وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزلُ مِثْلَ مَا أَنزلَ اللَّهُ﴾ [الْأَنْعَامِ: ٩٣] ، [[في ت: "فمن".]] وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ٢١] ، وَكَذَلِكَ مَنْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَجُ، لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِنْهُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "أَعْتَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ رجلٌ قَتَلَ نَبِيًّا، أَوْ قَتَلَهُ نَبِيٌّ". [[رواه الإمام أحمد في المسند (١/٤٠٧) من حديث عبد الله بن مسعود ولفظه: "أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ قَتَلَهُ نبي أو قتل نبيا". وروى البخاري في صحيحه برقم (٤٠٧٣) من حديث أبي هريرة: "اشتد غضب الله على من يقتله رسول الله في سبيل الله".]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب