الباحث القرآني

اخْتَلَفَتْ أَقْوَالُ النَّاسِ وَعِبَارَاتُهُمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَطَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ بِهَمِّهِ بِهَا هَمّ خَطَرات حَدِيثِ [[في ت، أ: "وحديث".]] النَّفْسِ. حَكَاهُ الْبَغَوِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ التَّحْقِيقِ، ثُمَّ أَوْرَدَ [[في أ: "وأورد".]] الْبَغَوِيُّ هَاهُنَا حَدِيثَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: إِذَا هَمّ عَبْدِي بِحَسَنَةٍ فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، فَإِنَّ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا حَسَنَةً، فَإِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرّائي، فَإِنْ عَمَلِهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا" [[معالم التنزيل (٤/٢٣١) .]] . وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ [[صحيح البخاري برقم (٧٥٠١) وصحيح مسلم برقم (٢٠٥) .]] وَلَهُ أَلْفَاظٌ كَثِيرَةٌ، هَذَا مِنْهَا. وَقِيلَ: هَمَّ بِضَرْبِهَا. وَقِيلَ: تَمَنَّاهَا زَوْجَةً. وَقِيلَ: ﴿وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ أَيْ: فَلَمْ يَهِمَّ بِهَا. وَفِي هَذَا الْقَوْلِ نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةِ، ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ [[تفسير الطبري (١٦/٣٨، ٣٩) وما ذكره الحافظ هنا في معنى الهم غير مسلم به، والراجح هو ما اختاره أبو حيان في تفسيره ونقله عنه العلامة الشنقيطي في "أضواء البيان" (٣/٦٠) وقال: "والجواب الثاني - وهو الذي اختاره أبو حيان - أن يوسف لم يقع منه هم أصلا، بل هو +منفى عنه لوجود البرهان. . ." وانظر بقية كلامه هناك.]] . وَأَمَّا الْبُرْهَانُ الَّذِي رَآهُ فَفِيهِ أَقْوَالٌ أَيْضًا: فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، وَأَبِي صَالِحٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَغَيْرِهِمْ: رَأَى صُورَةَ أَبِيهِ يَعْقُوبَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَاضًّا عَلَى أُصْبُعِهِ بِفَمِهِ [[في ت، أ: "يعظه".]] . وَقِيلَ عَنْهُ فِي رِوَايَةٍ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِ يُوسُفَ. وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَأَى خَيَالَ [[في ت، أ: "تمثال".]] الْمَلِكِ، يَعْنِي: سَيِّدَهُ، وكذا قال محمد بن إسحاق، فِيمَا حَكَاهُ عَنْ بَعْضِهِمْ: إِنَّمَا هُوَ خَيَالُ إِطْفِيرَ سَيِّدِهِ، حِينَ دَنَا مِنَ الْبَابِ [[قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في الفتاوى (١٠/٢٩٧) : "وما ينقل من أنه حل سراويله وجلس مجلس الرجل من المرأة وأنه رأى صورة يعقوب عاضا على يده وأمثال ذلك، فهو مما لم يخبر الله به ولا رسوله، وما لم يكن كذلك، فإنما هو مأخوذ عن اليهود الذين هم من أعظم الناس كذبا على الأنبياء، وقدحا فيهم، وكل من نقله من المسلمين فعنهم نقله، لم ينقل من ذلك أحد عن نبينا صلى الله عليه وسلم حرفا واحدا". وانظر: الإسرائيليات في كتب التفسير لمحمد أبو شهبة (ص ٢٢٠ - ٢٢٥) .]] . وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِي مَوْدُودٍ [[في ت: "مردود".]] سَمِعْتُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظي قَالَ: رَفَعَ يُوسُفُ رَأْسَهُ إِلَى سَقْفِ الْبَيْتِ، فَإِذَا كِتَابٌ فِي حَائِطِ الْبَيْتِ: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٣٢] وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو مَعْشَر الْمَدَنِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي صَخْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْقُرَظِيَّ يَقُولُ فِي: "الْبُرْهَانِ" الَّذِي رَأَى يُوسُفُ: ثَلَاثُ آيَاتٍ مِنْ كتاب الله ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ﴾ الْآيَةَ [الِانْفِطَارِ: ١٠] ، وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ﴾ الْآيَةَ: [يُونُسَ: ٦١] ، وَقَوْلُهُ: ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ [الرَّعْدِ: ٣٣] قَالَ نَافِعٌ: سَمِعْتُ أَبَا هِلَالٍ يَقُولُ مِثْلَ قَوْلِ الْقُرَظِيِّ، وَزَادَ آيَةً رَابِعَةً ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٣٢] وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: رَأَى آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فِي الْجِدَارِ تَنْهَاهُ [[في ت، أ: "والجدار نهاه".]] عَنْ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ رَأَى مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَا زَجَرَهُ عَمَّا كَانَ هَمَّ بِهِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ صُورَةَ يَعْقُوبَ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ [صُورَةَ] [[زيادة من ت، أ.]] الْمَلِكِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَا رَآهُ مَكْتُوبًا مِنَ الزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ. وَلَا حُجَّةَ قَاطِعَةٌ عَلَى تَعْيِينِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَالصَّوَابُ أَنْ يُطْلَقَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ: وَقَوْلُهُ: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ﴾ أَيْ: كَمَا أَرَيْنَاهُ بُرْهَانًا صَرَفَهُ عَمَّا كَانَ فِيهِ، كَذَلِكَ نَقِيهِ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ. ﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ أَيْ: مِنَ الْمُجْتَبِينَ الْمُطَهَّرِينَ الْمُخْتَارِينَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب