الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ﴾ وَتَبْرُزُ الْخَلَائِقُ لديَّانها، تَرَى يَا مُحَمَّدُ يَوْمَئِذٍ الْمُجْرِمِينَ، وَهُمُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا بِكُفْرِهِمْ وَفَسَادِهِمْ، ﴿مُقَرَّنِينَ﴾ أَيْ: بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، قَدْ جُمِعَ بَيْنَ النُّظَرَاءِ أَوِ الْأَشْكَالِ [[في ت: "النظر والأشكال".]] مِنْهُمْ، كُلِّ صِنْفٍ إِلَى صِنْفٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ﴾ [الصَّافَّاتِ: ٢٢] ، وَقَالَ: ﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ [التَّكْوِيرِ: ٧] ، وَقَالَ: ﴿وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا﴾ [الْفُرْقَانِ: ١٣] ، وَقَالَ: ﴿وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ﴾ [ص: ٣٧، ٣٨] . وَالْأَصْفَادُ: هِيَ الْقُيُودُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالْأَعْمَشُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ. وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي اللُّغَةِ، قَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ. فَآبُوا [[في ت: "فأتوا".]] بِالثِّيَابِ وَبِالسَّبَايَا وأُبْنَا بالمُلُوك [[في ت: "وابنا الملوك"، وفي أ: "وأبناء الملوك".]] مُصَفّدينا [[البيت في تفسير الطبري (١٣/١٦٧) .]] * * * وَقَوْلُهُ: ﴿سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ﴾ أَيْ: ثِيَابُهُمُ الَّتِي يَلْبَسُونَهَا عَلَيْهِمْ مِنْ قَطِرَانٍ، وَهُوَ الَّذِي تُهنأ بِهِ الْإِبِلُ، أَيْ: تُطْلَى، قَالَهُ قَتَادَةُ. وَهُوَ أَلْصَقُ شَيْءٍ بِالنَّارِ. وَيُقَالُ فِيهِ: "قَطِران"، بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الطَّاءِ، وَبِفَتْحِ الْقَافِ وَتَسْكِينِ الطَّاءِ، وَبِكَسْرِ الْقَافِ وَتَسْكِينِ الطَّاءِ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي النَّجْمِ. كَأَنَّ قِطْرانًا إذَا تَلاهَا ... تَرْمي [[في ت: "يرمى".]] بِهِ الرِّيحُ إِلَى مَجْراها [[البيت في تفسير الطبري (١٣/١٦٧) .]] وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: القَطران هُوَ: النُّحَاسُ الْمُذَابُ، وَرُبَّمَا قَرَأَهَا: "سَرَابيلهم مِنْ قَطِران" أَيْ: مِنْ نُحَاسٍ حَارٍّ قَدِ انْتَهَى حَرُّهُ. وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَير، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَتَغْشَى [[في ت: "ويغشى".]] وُجُوهَهُمُ النَّارُ﴾ كَقَوْلِهِ: ﴿تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: ١٠٤] . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ، عن يحيى بن أبي كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَرْبَعٌ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُتْرَكن [[في ت: "لا بد لهن"، وفي أ: "لا يزكهن".]] الْفَخْرُ بِالْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالِاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ، وَالنَّائِحَةُ [[في أ: "والنابحة".]] إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا، تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ، ودرْع مِنْ جَرَب". انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِمٌ [[المسند (٥/٣٤٢) وصحيح مسلم برقم (٩٣٤) .]] . وَفِي حَدِيثِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ، تُوقَفُ فِي طَرِيقٍ [[في ت: "الطريق".]] بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَسَرَابِيلُهَا مِنْ قَطِرَانٍ، وَتَغْشَى وَجْهَهَا النَّارُ" [[رواه الطبراني في المعجم الكبير (٨/٢٣٨) مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يزيد، عن القاسم، وكلهم ضعفاء - عن أبي أمامة به. وقد قال ابن حبان: "إذا جاء الحديث مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يزيد، عن القاسم، فهو مما صنعته أيديهم".]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ﴾ أَيْ: يَوْمَ [[في ت، أ: "أي يقسم يوم".]] الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾ [النَّجْمِ: ٣١] . ﴿إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَقَوْلِهِ [[في ت: "قوله".]] تَعَالَى: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ فِي حَالِ مُحَاسَبَتِهِ [[في ت: "محسباته".]] لِعَبْدِهِ سَرِيعُ النَّجاز؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، وَإِنَّ جَمِيعَ الْخَلْقِ [[في ت: "الخلائق".]] بِالنِّسْبَةِ إِلَى قُدْرَتِهِ كَالْوَاحِدِ مِنْهُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [لُقْمَانَ: ٢٨] ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ: ﴿سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [إِحْصَاءً] [[زيادة من ت، أ.]] . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَيَانِ مُرَادَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب