الباحث القرآني

قَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ رَسُولًا أَنْكَرَتِ الْعَرَبُ ذَلِكَ، أَوْ مَنْ أَنْكَرَ مِنْهُمْ، وَقَالُوا: اللَّهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَسُولُهُ بَشَرًا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ﴾ [يُونُسَ: ٢] ، وَقَالَ ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ يَعْنِي: أهل الكتب الماضية: أبشر كَانَتِ الرُّسُلُ الَّتِي أَتَتْكُمْ [[في هـ، ت، أ: "إليهم" والمثبت من الطبري. مستفاد من حاشية الشعب.]] أَمْ مَلَائِكَةً؟ فَإِنْ كَانُوا مَلَائِكَةً أَنْكَرْتُمْ، وَإِنْ كَانُوا بَشَرًا فَلَا تُنْكِرُوا أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ ﷺ رَسُولًا؟ [وَ] [[زيادة من ت، ف، أ.]] قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾ [[في ف، أ: "نوحي".]] لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا قُلْتُمْ. وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ الْمُرَادَ بِأَهْلِ الذِّكْرِ: أَهْلُ الْكِتَابِ. وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَالْأَعْمَشُ. وَقَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ -الذِّكْرُ: الْقُرْآنُ وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الْحِجْرِ: ٩]-صَحِيحٌ، [وَ] [[زيادة من ف، أ.]] لَكِنْ لَيْسَ هُوَ الْمُرَادُ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْمُخَالِفَ لَا يَرْجِعُ فِي إِثْبَاتِهِ بَعْدَ إِنْكَارِهِ إِلَيْهِ. وَكَذَا قَوْلُ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ: "نَحْنُ أَهْلُ الذِّكْرِ" -وَمُرَادُهُ أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ أَهْلُ الذِّكْرِ-صَحِيحٌ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ أَعْلَمُ مِنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ، وَعُلَمَاءُ أَهْلِ بَيْتِ الرَّسُولِ، عليهم [[في ت: "عليه".]] السلام والرحمة، من خَيْرِ الْعُلَمَاءِ إِذَا كَانُوا عَلَى السُّنَّةِ الْمُسْتَقِيمَةِ، كَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَبَنِي عَلِيٍّ: الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ، وَعَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ -وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ-وَجَعْفَرٍ ابْنِهِ، وَأَمْثَالِهِمْ وَأَضْرَابِهِمْ وَأَشْكَالِهِمْ، مِمَّنْ هُوَ مُتَمَسِّكٌ بِحَبْلِ اللَّهِ الْمَتِينِ وَصِرَاطِهِ المستقيم، وعرف لكل ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَنَزَلَ كُلٌّ الْمَنْزِلَ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ قُلُوبُ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ. وَالْغَرَضُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ أَخْبَرَتْ أَنَّ [[في ت، ف: "بأن".]] الرُّسُلَ الْمَاضِينَ [[في أ: "الماضية".]] قَبْلَ مُحَمَّدٍ ﷺ كَانُوا بَشَرًا كَمَا هُوَ بَشَرٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَرًا رَسُولا وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٩٣، ٩٤] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأسْوَاقِ﴾ [الْفُرْقَانِ: ٢٠] وَقَالَ ﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ [ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ] ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: ٨، ٩] ، [[زيادة من ف، أ.]] وَقَالَ: ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الْأَحْقَافِ: ٩] ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ﴾ [الْكَهْفِ: ١١٠] . ثُمَّ أَرْشَدَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ شَكَّ فِي كَوْنِ الرُّسُلِ كَانُوا بَشَرًا، إِلَى سُؤَالِ أَصْحَابِ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ [[في ف، أ: "بشر أن يسألوا أهل الذكر عن الأنبياء".]] الَّذِينَ سَلَفُوا: هَلْ كَانَ أَنْبِيَاؤُهُمْ بَشَرًا أَوْ مَلَائِكَةً؟ ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ أَرْسَلَهُمْ ﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾ أَيْ: بِالدَّلَالَاتِ وَالْحُجَجِ، ﴿وَالزُّبُرِ﴾ وَهِيَ الْكُتُبُ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ، وَغَيْرُهُمْ. وَالزُّبُرُ: جَمْعُ زَبُورٍ، تَقُولُ الْعَرَبُ: زَبَرْتُ الْكِتَابَ إِذَا كَتَبْتُهُ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ﴾ [الْقَمَرِ: ٥٢] وَقَالَ: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: ١٠٥] . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَنزلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ﴾ يَعْنِي: الْقُرْآنَ، ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نزلَ إِلَيْهِمْ﴾ مِنْ رَبِّهِمْ، أَيْ: لِعِلْمِكَ [[في ت: "يعلمك".]] بِمَعْنَى مَا أُنْزِلَ عَلَيْكَ، وَحِرْصِكَ عَلَيْهِ، وَاتِّبَاعِكَ لَهُ، وَلِعِلْمِنَا بِأَنَّكَ [[ف أ: "بأنه".]] أَفْضَلُ الْخَلَائِقِ وَسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، فَتُفَصِّلَ [[في أ: "تفصل".]] لَهُمْ مَا أُجْمِلَ، وَتُبَيِّنَ لَهُمْ مَا أُشْكِلَ: ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أَيْ: يَنْظُرُونَ لِأَنْفُسِهِمْ فَيَهْتَدُونَ، فَيَفُوزُونَ [[في ت، ف: "فيفوزوا".]] بِالنَّجَاةِ فِي الدارين.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب