الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ الزَّمَانِ وَذِكْرِ مَا يَقَعُ فِيهِ مِنْ أَعْمَالِ بَنِي آدَمَ: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ وَطَائِرُهُ: هُوَ مَا طَارَ عَنْهُ مِنْ عَمَلِهِ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، يُلزم بِهِ وَيُجَازَى عَلَيْهِ ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزَّلْزَلَةِ: ٥، ٦] ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: ١٧، ١٨] ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ﴾ [الِانْفِطَارِ: ١٠ -١٤] ، قَالَ: ﴿إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الطُّورِ: ١٦] وَقَالَ: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النِّسَاءِ: ١٢٣] . وَالْمَقْصُودُ أَنَّ عَمَلَ ابْنِ آدَمَ مَحْفُوظٌ عَلَيْهِ، قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ، وَيُكْتَبُ عَلَيْهِ لَيْلًا وَنَهَارًا، صَبَاحًا وَمَسَاءً. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، عَنْ أَبَى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "لَطَائر كُلِّ إِنْسَانٍ فِي عُنُقِهِ". قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: يَعْنِي الطِّيرَةَ [[المسند (٣/٣٦٠) ، وقال الهيثمي في المجمع (٧/٤٩) : "فيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف وبقية رجاله رجال الصحيح".]] . وَهَذَا الْقَوْلُ مِنَ ابْنِ لَهِيعَةَ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ، غَرِيبٌ جِدًّا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. * * * وَقَوْلُهُ [تَعَالَى] [[زيادة من ت.]] ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا﴾ أَيْ: نَجْمَعُ لَهُ عَمَلَهُ كُلَّهُ فِي كِتَابٍ يُعْطَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِمَّا بِيَمِينِهِ إِنْ كَانَ سَعِيدًا، أَوْ بِشِمَالِهِ إِنْ كَانَ شَقِيًّا ﴿مَنْشُورًا﴾ أَيْ: مَفْتُوحًا يَقْرَؤُهُ هُوَ وَغَيْرُهُ، فِيهِ جَمِيعُ عَمَلِهِ مِنْ أَوَّلِ عُمْرِهِ إِلَى آخِرِهِ ﴿يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ [الْقِيَامَةِ: ١٣ -١٥] ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ أَيْ: إِنَّكَ [[في ت، ف: "أي أنت".]] تَعْلَمُ أَنَّكَ لَمْ تُظْلَمْ وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكَ غَيْرُ مَا عَمِلْتَ؛ لِأَنَّكَ ذَكَرْتَ جَمِيعَ مَا كَانَ مِنْكَ، وَلَا يَنْسَى أَحَدٌ شَيْئًا مِمَّا كَانَ مِنْهُ، وَكُلُّ أَحَدٍ يَقْرَأُ كِتَابَهُ مِنْ كَاتِبٍ وَأُمِّيٍّ. * * * وَقَوْلُهُ [تَعَالَى] [[زيادة من ت.]] ﴿أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ إِنَّمَا ذَكَرَ الْعُنُقَ؛ لِأَنَّهُ عُضْوٌ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي [[في ت، أ: "من".]] الْجَسَدِ، وَمَنْ أُلْزِمَ بِشَيْءٍ فِيهِ فَلَا مَحِيدَ لَهُ عَنْهُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: [[هو أبو أحمد بن جحش، والأبيات في السيرة النبوية لابن هشام (١/٥٠٠) .]] . اذْهَبْ بِهَا اذْهَبْ بِهَا ... طُوِّقْتَهَا طَوْقَ الْحَمَامَةِ ... قَالَ قَتَادَةُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [[في ف، أ: "عنهما".]] عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "لَا عَدْوَى وَلَا طيرَة وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ". كَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ [[تفسير الطبري (١٥/٣٩) .]] . وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي مُسْنَدِهِ مُتَّصِلًا فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [[زيادة من ف، أ.]] قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ: "طَيْرُ كُلِّ عَبْدٍ فِي عُنُقِهِ" [[المنتخب لعبد بن حميد برقم (١٠٥٣) .]] . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ: أَنَّ أَبَا الْخَيْرِ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [[زيادة من ف، أ.]] يُحَدِّثُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "لَيْسَ مِنْ عَمَلِ يَوْمٍ إِلَّا وَهُوَ يُخْتَمُ عَلَيْهِ، فَإِذَا مَرِضَ الْمُؤْمِنُ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبَّنَا، عَبْدُكَ فُلَانٌ، قَدْ حَبَسْتَهُ؟ فَيَقُولُ الرَّبُّ جَلَّ جَلَالُهُ: اخْتِمُوا لَهُ عَلَى مِثْلِ عَمَلِهِ، حَتَّى يبرأ أو يموت" [[المسند (٤/١٤٦) .]] . إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَوِيٌّ، وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ. وَقَالَ مَعْمَر، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ قَالَ: عَمَلَهُ. ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ قَالَ: نُخْرِجُ ذَلِكَ الْعَمَلَ ﴿كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا﴾ قَالَ مَعْمَرٌ: وَتَلَا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ﴾ [ق: ١٧] يَا ابْنَ آدَمَ، بَسَطْتُ لَكَ صَحِيفَتَكَ [[في ت، ف، أ: "صحيفة".]] وَوَكَلَ بِكَ مَلَكَانِ كَرِيمَانِ، أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِكَ وَالْآخَرُ عَنْ يَسَارِكَ فَأَمَّا الَّذِي عَنْ يَمِينِكَ فَيَحْفَظُ حَسَنَاتِكَ، وَأَمَّا الَّذِي عَنْ يَسَارِكَ فَيَحْفَظُ سَيِّئَاتِكَ، فَاعْمَلْ [[في ت، ف، أ: "فاملك".]] مَا شِئْتَ، أَقْلِلْ أَوْ أَكْثِرْ، حَتَّى إِذَا مِتَّ طُوِيَتْ صَحِيفَتُكَ فَجُعِلَتْ فِي عُنُقِكَ مَعَكَ فِي قَبْرِكَ، حَتَّى تَخْرُجَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا تَلْقَاهُ مَنْشُورًا ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ قَدْ عَدَلَ -وَاللَّهِ [[في ت، ف، أ: "الله".]] -عَلَيْكَ مَنْ جَعَلَكَ حَسِيبَ نَفْسِكَ. هَذَا مِنْ حُسْنِ [[في ف: "أحسن".]] كَلَامِ الْحَسَنِ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب