[يَقُولُ تَعَالَى: ﴿كُلا﴾ أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ الَّذِينَ أَرَادُوا الدُّنْيَا وَالَّذِينَ أَرَادُوا الْآخِرَةَ، نَمُدُّهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ ﴿مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ﴾ أَيْ: هُوَ الْمُتَصَرِّفُ الْحَاكِمُ الَّذِي لَا يَجُورُ، فَيُعْطِي كُلًّا مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الشَّقَاوَةِ وَالسَّعَادَةِ وَلَا رَادَّ لِحُكْمِهِ وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى، وَلَا مُغَيِّرَ لِمَا أَرَادَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ أَيْ: مَمْنُوعًا، أَيْ: لَا يَمْنَعُهُ أَحَدٌ وَلَا يَرُدُّهُ رَادٌّ.
قَالَ قَتَادَةُ: ﴿وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ أَيْ: مَنْقُوصًا.
وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَابْنُ زَيْدٍ: مَمْنُوعًا.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ فِي الدُّنْيَا، فَمِنْهُمُ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَالْحَسَنُ وَالْقَبِيحُ وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَمَنْ يَمُوتُ صَغِيرًا، وَمَنْ يُعَمَّرُ حَتَّى يَبْقَى شَيْخًا كَبِيرًا، وَبَيْنَ ذَلِكَ ﴿وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا﴾ أَيْ: وَلَتَفَاوُتُهُمْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ مِنَ الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ فِي الدَّرَكَاتِ فِي جَهَنَّمَ وَسَلَاسِلِهَا وَأَغْلَالِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ فِي الدَّرَجَاتِ العُلَى وَنَعِيمِهَا وَسُرُورِهَا، ثُمَّ أَهْلُ الدَّرَكَاتِ يَتَفَاوَتُونَ فِيمَا هُمْ فِيهِ، كَمَا أَنَّ أَهْلَ الدَّرَجَاتِ يَتَفَاوَتُونَ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ مِائَةُ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: "إِنَّ أَهْلَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى لَيَرَوْنَ أَهْلَ عِلِّيِّينَ، كَمَا تَرَوْنَ الْكَوْكَبَ الْغَابِرَ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ" [[تقدم تخريجه عند تفسير الآية: ٦٩ من سورة النساء من حديث أبي سعيد، رضي الله عنه، وفي لفظه اختلاف عن هذا اللفظ. ورواه بهذا اللفظ الحميدي في مسنده برقم (٧٧٥) من حديث أبي سعيد، رضي الله عنه.]] ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا﴾ ] [[زيادة من ف، أ.]] .
{"ayahs_start":20,"ayahs":["كُلࣰّا نُّمِدُّ هَـٰۤؤُلَاۤءِ وَهَـٰۤؤُلَاۤءِ مِنۡ عَطَاۤءِ رَبِّكَۚ وَمَا كَانَ عَطَاۤءُ رَبِّكَ مَحۡظُورًا","ٱنظُرۡ كَیۡفَ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضࣲۚ وَلَلۡـَٔاخِرَةُ أَكۡبَرُ دَرَجَـٰتࣲ وَأَكۡبَرُ تَفۡضِیلࣰا"],"ayah":"كُلࣰّا نُّمِدُّ هَـٰۤؤُلَاۤءِ وَهَـٰۤؤُلَاۤءِ مِنۡ عَطَاۤءِ رَبِّكَۚ وَمَا كَانَ عَطَاۤءُ رَبِّكَ مَحۡظُورًا"}