الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى نَاهِيًا عِبَادَهُ، عَنِ التَّجَبّر وَالتَّبَخْتُرِ فِي الْمِشْيَةِ: ﴿وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا﴾ أَيْ: مُتَبَخْتِرًا مُتَمَايِلًا مَشْيَ الجَبَّارين ﴿إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ﴾ أَيْ: لَنْ تَقْطَعَ الْأَرْضَ بِمِشْيَتِكَ [[في ت، ف: "بمشيك".]] قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَاسْتَشْهَدَ عَلَيْهِ بِقَوْلِ رُؤبة بْنِ العَجَّاج: وقَاتِم الأعْمَاق خَاوي المُخترقْ [[تفسير الطبري (١٥/٦٣) .]] * * * وَقَوْلُهُ [تَعَالَى] [[زيادة من ت.]] : ﴿وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا﴾ أَيْ: بِتَمَايُلِكَ وَفَخْرِكَ وَإِعْجَابِكَ بنفسك، بل قد يُجَازَى فَاعِلُ ذَلِكَ بِنَقِيضِ [[في ت: "ببعض".]] قَصْدِهِ. كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَعَلَيْهِ بُرْدَان يَتَبَخْتَرُ فِيهِمَا، إِذْ خُسِف بِهِ الْأَرْضَ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ [[في ت: "يتخلل".]] فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" [[صحيح البخاري برقم (٥٧٨٩) وصحيح مسلم برقم (٢٠٨٨) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.]] . وَكَذَلِكَ [[في أ: "ولذلك".]] أَخْبَرَ اللَّهُ [تَعَالَى] [[زيادة من ف.]] عَنْ قَارُونَ أَنَّهُ خَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَسَفَ بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ، وَفِي الْحَدِيثِ: "مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ، فَهُوَ فِي نَفْسِهِ حَقِيرٌ وَعِنْدَ النَّاسِ كَبِيرٌ، وَمَنِ اسْتَكْبَرَ وَضَعَهُ اللَّهُ، فَهُوَ فِي نَفْسِهِ كَبِيرٌ وَعِنْدَ النَّاسِ حَقِيرٌ، حَتَّى لَهُوَ أَبْغَضُ إِلَيْهِمْ مِنَ الْكَلْبِ أَوِ الْخِنْزِيرِ" [[رواه أبو نعيم في الحلية (٧/١٢٩) والخطيب في تاريخ بغداد (٢/١١٠) من طريق سعيد بن سلام، عن الثوري عن الأعمش، عن إبراهيم بن عابس، عن ربيعة، عن عمر بن الخطاب بنحوه وقال: "غريب من حديث الثوري، تفرد به سعيد بن سلام، وهو كذاب".]] . وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ "الْخُمُولِ وَالتَّوَاضُعِ": حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدِ، بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ الْحَسَنِ، إِذْ مَر عَلَيْهِ ابْنُ الْأَهْتَمِ [[في هـ، ت، ف: "ابن الأهيم"، والصواب ما أثبتناه من الخمول والتواضع لابن أبي الدنيا.]] -يُرِيدُ الْمَنْصُورَ -وَعَلَيْهِ جبَابُ خَزّ قَدْ نُضّد [[في ت، ف: "فضل".]] بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ عَلَى سَاقِهِ، وَانْفَرَجَ عَنْهَا قَبَاؤُهُ، وَهُوَ يَمْشِي وَيَتَبَخْتَرُ، إِذْ نَظَرَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ نَظْرَةً فَقَالَ: أُفٍّ أُفٍّ، شَامِخٌ بِأَنْفِهِ، ثَانٍ عِطْفَهُ، مُصَعِّرٌ خَدَّهُ، يَنْظُرُ فِي عِطْفَيْهِ، أَيُّ حُمَيْق يَنْظُرُ فِي عِطْفِهِ فِي نِعَم غَيْرِ مَشْكُورَةٍ وَلَا مَذْكُورَةٍ، غَيْرِ الْمَأْخُوذِ بِأَمْرِ اللَّهِ فِيهَا، وَلَا الْمُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ مِنْهَا! وَاللَّهِ إِنْ يَمْشِي أَحَدُهُمْ طَبِيعَتَهُ يَتَلَجْلَجُ تَلَجْلُجَ الْمَجْنُونِ، فِي كُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ نِعْمَةٌ، وَلِلشَّيْطَانِ بِهِ لَعْنَةٌ، فَسَمِعَهُ ابْنُ الْأَهْتَمِ [[في هـ ت، ف: "ابن الأهيم"، والصواب ما أثبتناه من الخمول والتواضع.]] فَرَجَعَ يَعْتَذِرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: لَا تَعْتَذِرْ إِلَيَّ، وَتُبْ إِلَى رَبِّكَ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا﴾ [[الخمول والتواضع برقم (٢٣٧) .]] . وَرَأَى الْبَخْتَرِيُّ العابدُ رَجُلًا مِنْ آلِ عَلِيٍّ يَمْشِي وَهُوَ يخطِر فِي مِشْيَتِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا هَذَا، إِنَّ الَّذِي أَكْرَمَكَ بِهِ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ مِشْيَتَهُ! قَالَ: فَتَرَكَهَا الرَّجُلُ بَعْدُ. وَرَأَى ابْنُ عُمَرَ رَجُلًا يَخْطِرُ فِي مِشْيَتِهِ، فَقَالَ: إِنَّ لِلشَّيَاطِينِ إِخْوَانًا. وَقَالَ: خَالِدُ بْنُ مَعْدان: إِيَّاكُمْ والخَطْر، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَدُه مِنْ سَائِرِ [[في ت، ف، أ: "من دون سائر".]] جَسَدِهِ. رَوَاهُمَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا. وَقَالَ: ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ [[في ف: "بن".]] يَحْيَى، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ يُحَنَّس قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِذَا مشت أمتي المطيطاء، وخدمتهم فارس والروم، سُلِّطَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ" [[الخمول والتواضع برقم (٢٤٩) وهو مرسل، وجاء من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، رواه الترمذي في السنن برقم (٢٢٦١) من طريق زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دينار عنه، ولفظ آخره "سلط الله شرارها على خيارها" وقال الترمذي: "هذا حديث غريب"]] . * * * وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا﴾ أُمَّا مَنْ قَرَأَ "سَيِّئَةٌ" أَيْ: فَاحِشَةٌ. فَمَعْنَاهُ عِنْدَهُ: كُلُّ هَذَا الَّذِي نَهَيْنَا عَنْهُ، مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ﴾ إِلَى هَاهُنَا، فَهُوَ سَيِّئَةٌ مُؤَاخَذٌ عَلَيْهَا ﴿مَكْرُوهًا﴾ عِنْدَ اللَّهِ، لَا يُحِبُّهُ وَلَا يَرْضَاهُ. وَأَمَّا مَنْ قَرَأَ ﴿سَيِّئُهُ﴾ عَلَى الْإِضَافَةِ فَمَعْنَاهُ عِنْدَهُ: كُلُّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ﴾ إِلَى هَاهُنَا فَسَيِّئُهُ، أَيْ: فَقَبِيحُهُ مَكْرُوهٌ [[في ت، ف، أ: "قبيحه مكروها".]] عِنْدَ اللَّهِ، هَكَذَا وجَّه ذَلِكَ ابن جرير، رحمه الله [[تفسير الطبري (١٥/٦٣) .]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب