الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَإِذَا قَرَأْتَ -يَا مُحَمَّدُ -عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْقُرْآنَ، جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ حِجَابًا مَسْتُورًا. قَالَ قَتَادَةُ، وَابْنُ زَيْدٍ: هُوَ الْأَكِنَّةُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ﴾ [فُصِّلَتْ: ٥] أَيْ: مَانِعٌ حَائِلٌ [[في ف: "مانع وحائل".]] أَنْ يَصِلَ إِلَيْنَا مِمَّا تَقُولُ شَيْءٌ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿حِجَابًا مَسْتُورًا﴾ أَيْ: بِمَعْنَى سَاتِرٍ، كَمَيْمُونٍ وَمَشْئُومٍ، بِمَعْنَى: يَامِنٍ وَشَائِمٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ يَمنهم وشَأمَهم. وَقِيلَ: مَسْتُورًا عَنِ الْأَبْصَارِ فَلَا تَرَاهُ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ حِجَابٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْهُدَى، وَمَالَ إِلَى تَرْجِيحِهِ ابْنُ جَرِيرٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى الْهَرَوِيُّ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ تَدْرُسَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ [الصِّدِّيقِ] [[زيادة من ت.]] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا [[في ف، أ: "عنهما".]] ، قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتْ ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَب وَتبٍٍَ﴾ [سُورَةُ الْمَسَدِ] جَاءَتِ الْعَوْرَاءُ أُمُّ جَمِيلٍ وَلَهَا ولوَلة، وَفِي يَدِهَا فِهْر وَهِيَ تَقُولُ: مُدَمَّما أَتَيْنَا -أَوْ: أَبَيْنَا، قَالَ أَبُو مُوسَى: الشَّكُّ مِنِّي -وَدِينَهُ قَلَيْنَا، وَأَمْرَهُ عَصَيْنَا. وَرَسُولُ اللَّهِ جَالِسٌ، وَأَبُو بَكْرٍ إِلَى جَنْبِهِ -أَوْ قَالَ: مَعَهُ -قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَقَدْ أَقْبَلَتْ هَذِهِ وَأَنَا أَخَافُ أَنْ تَرَاكَ، فَقَالَ: "إِنَّهَا لَنْ تَرَانِي"، وَقَرَأَ قُرْآنًا اعْتَصَمَ بِهِ مِنْهَا: ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا﴾ . قَالَ: فَجَاءَتْ حَتَّى قَامَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَلَمْ تَرَ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا بَكْرٍ، بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ هَجَانِي. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ مَا هَجَاكِ. قَالَ: فَانْصَرَفَتْ وَهِيَ تَقُولُ: لَقَدْ [[في ف: "قد".]] عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي بِنْتُ سَيِّدِهَا [[مسند أبي يعلى (١/٥٣) وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح (٧/١٦٩) .]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً﴾ : جَمْعُ "كِنَانٍ"، الَّذِي يَغْشَى الْقَلْبَ ﴿أَنْ يَفْقَهُوهُ﴾ أَيْ: لِئَلَّا يَفْهَمُوا الْقُرْآنَ ﴿وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾ وَهُوَ الثقْل الَّذِي يَمْنَعُهُمْ مِنْ سَمَاعِ الْقُرْآنِ سَمَاعًا يَنْفَعُهُمْ وَيَهْتَدُونَ بِهِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ﴾ أَيْ: إِذَا وحَّدت اللَّهَ فِي تِلَاوَتِكَ، وَقُلْتَ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" ﴿وَلَّوْا﴾ أَيْ: أَدْبَرُوا رَاجِعِينَ ﴿عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا﴾ وَنُفُورٌ: جَمْعُ نَافِرٍ، كَقُعُودٍ جَمْعُ قَاعِدٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا مِنْ غَيْرِ الْفِعْلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ [الزُّمَرِ: ٤٥] . قَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا﴾ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا قَالُوا: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"، أَنْكَرَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ، وَكَبُرَتْ عَلَيْهِمْ، وَضَاقَهَا إِبْلِيسُ وَجُنُودُهُ، فَأَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُمْضِيَهَا وَيَنْصُرَهَا ويُفْلجها وَيُظْهِرَهَا عَلَى مَنْ نَاوَأَهَا، إِنَّهَا كَلِمَةٌ مَنْ خَاصَمَ بِهَا فَلَجَ، ومن قاتل بها نُصِرَ، إِنَّمَا يَعْرِفُهَا أَهْلُ هَذِهِ الْجَزِيرَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، الَّتِي يَقْطَعُهَا الرَّاكِبُ فِي لَيَالٍ قَلَائِلَ، وَيَسِيرُ الدَّهْرَ فِي فِئَامٍ مِنَ النَّاسِ، لَا يَعْرِفُونَهَا وَلَا يُقِرُّونَ بِهَا. قَوْلٌ آخَرُ فِي الْآيَةِ: وَرَوَى [[في ت، ف: "قال".]] ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الذَّارِعُ [[في ت، ف، أ: "الذراع".]] ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَبُو رَجَاءٍ الْكَلْبِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا﴾ هُمُ الشَّيَاطِينُ. هَذَا غَرِيبٌ جِدًّا فِي تَفْسِيرِهَا، وَإِلَّا فَالشَّيَاطِينُ [[في ف: "فالشيطان".]] إِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ، أَوْ نُودِيَ بِالْأَذَانِ، أَوْ ذُكِرَ اللَّهُ، انْصَرَفُوا [[في ف: "انصرف".]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب