قِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ، إِذْ أَشَارُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِسُكْنَى الشَّامِ بِلَادِ الْأَنْبِيَاءِ، وَتَرْكِ سُكْنَى الْمَدِينَةِ.
وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ، وَسُكْنَى الْمَدِينَةِ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَقِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ بِتَبُوكَ. وَفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمُ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ العُطاردي، عَنْ يُونُسُ بْنُ بُكيْر، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَهْرَام، عَنْ شَهْر بْنِ حَوْشَب، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْم؛ أَنَّ الْيَهُودَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، إِنْ كُنْتَ صَادِقًا أَنَّكَ نَبِيٌّ، فَالْحَقْ بِالشَّامِ؛ فَإِنَّ الشَّامَ أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَأَرْضُ الْأَنْبِيَاءِ. فَصَدَّقَ [[في ت، ف: "قال: فصدق".]] مَا قَالُوا، فَغَزَا غَزْوَةَ تَبُوكَ، لَا يُرِيدُ إِلَّا الشَّامَ. فَلَمَّا بَلَغَ تَبُوكَ، أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ مَا خُتِمَتِ السُّورَةُ: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿تَحْوِيلا﴾ فَأَمَرَهُ اللَّهُ بِالرُّجُوعِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَالَ: فِيهَا محياك ومماتك، ومنها تبعث [[دلائل النبوة (٥/٢٥٤) .]] .
وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ نَظَرٌ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ [[في ت: "ليس هذا".]] بِصَحِيحٍ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَغْزُ تَبُوكَ عَنْ قَوْلِ الْيَهُودِ، إِنَّمَا غَزَاهَا امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ﴾ [التَّوْبَةِ: ١٢٣] ، وَقَوْلُهُ [[في ف: "ولقوله".]] تَعَالَى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التَّوْبَةِ: ٢٩] . وَغَزَاهَا لِيَقْتَصَّ وَيَنْتَقِمَ مِمَّنْ قَتَلَ أَهْلَ مُؤْتَةَ، مِنْ أَصْحَابِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ صَحَّ هَذَا لَحُمِلَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عُفَير بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ سُلَيم بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أُنْزِلَ الْقُرْآنُ فِي ثَلَاثَةِ أَمْكِنَةٍ: مَكَّةَ، وَالْمَدِينَةِ، وَالشَّامِ" [[رواه الطبراني في المعجم الكبير (٨/٢٠١) . من طريق هشام بن عمار، عن الوليد بن مسلم به، وعفير بن معدان ضعيف.]] . قَالَ الْوَلِيدُ: يَعْنِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ. وَتَفْسِيرُ الشَّامِ بِتَبُوكَ أَحْسَنُ مِمَّا قَالَ الْوَلِيدُ: إِنَّهُ بَيْتُ الْمَقْدِسِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي كَفَّارِ قُرَيْشٍ، هَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، فَتَوَعَّدَهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَأَنَّهُمْ لَوْ أَخْرَجُوهُ [[في ت: "خرجوه".]] لَمَا لَبِثُوا بَعْدَهُ بِمَكَّةَ إِلَّا يَسِيرًا. وَكَذَلِكَ وَقَعَ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ هِجْرَتِهِ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، بَعْدَ مَا اشْتَدَّ أَذَاهُمْ لَهُ، إِلَّا سَنَةٌ وَنِصْفٌ. حَتَّى جَمَعَهُمُ اللَّهُ وَإِيَّاهُ بِبَدْرٍ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ، فَأَمْكَنَهُ مِنْهُمْ وَسَلَّطَهُ عَلَيْهِمْ وَأَظْفَرَهُ بِهِمْ، فَقَتَلَ أَشْرَافَهُمْ [[في ت: "أشرارهم".]] وَسَبَى سَرَاتَهُمْ [[في ف، أ: "ذراريهم".]] ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا﴾ أَيْ: هَكَذَا عَادَتُنَا فِي الَّذِينَ كَفَرُوا بِرُسُلِنَا وَآذَوْهُمْ: يَخْرُجُ الرَّسُولُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ: وَيَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ. وَلَوْلَا أَنَّهُ عَلَيْهِ [الصَّلَاةُ وَ] [[زيادة من ف، أ.]] السَّلَامُ رَسُولُ الرَّحْمَةِ، لَجَاءَهُمْ مِنَ النِّقَمِ فِي الدُّنْيَا مَا لَا قِبَلَ لِأَحَدٍ بِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الْأَنْفَالِ: ٣٣] .
{"ayahs_start":76,"ayahs":["وَإِن كَادُوا۟ لَیَسۡتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ لِیُخۡرِجُوكَ مِنۡهَاۖ وَإِذࣰا لَّا یَلۡبَثُونَ خِلَـٰفَكَ إِلَّا قَلِیلࣰا","سُنَّةَ مَن قَدۡ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ مِن رُّسُلِنَاۖ وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحۡوِیلًا"],"ayah":"وَإِن كَادُوا۟ لَیَسۡتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ لِیُخۡرِجُوكَ مِنۡهَاۖ وَإِذࣰا لَّا یَلۡبَثُونَ خِلَـٰفَكَ إِلَّا قَلِیلࣰا"}