الباحث القرآني

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ قَابُوسُ بْنُ [[في ف: "عن".]] أَبِي ظَبْيَان، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ بِمَكَّةَ ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا﴾ [[المسند (١/٢٢٣) .]] . وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: إِنَّ كُفَّارَ أَهْلِ مَكَّةَ لَمَّا ائْتَمَرُوا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِيَقْتُلُوهُ أَوْ يَطْرُدُوهُ أَوْ يُوثِقُوهُ، وَأَرَادَ اللَّهُ قِتَالَ أَهْلِ مَكَّةَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى [[في ت: "على".]] الْمَدِينَةِ، فَهُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾ وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ﴾ يَعْنِي: الْمَدِينَةَ ﴿وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾ يَعْنِي: مَكَّةَ. وَكَذَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ أَشْهَرُ الْأَقْوَالِ. وَقَالَ: الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ﴾ يَعْنِي: الْمَوْتَ ﴿وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾ يَعْنِي: الْحَيَاةَ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا﴾ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي تَفْسِيرِهَا: وَعَدَهُ رَبُّهُ لَيَنْزَعَنَّ مُلْكَ فَارِسَ، وَعِزَّ [[في ت: "وغير".]] فَارِسَ، وَلَيَجْعَلَنَّهُ لَهُ، وَمُلْكَ الرُّومِ، وَعِزَّ الرُّومِ، وَلَيَجْعَلَنَّهُ لَهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ فِيهَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ، عَلِمَ أَلَّا طَاقَةَ لَهُ بِهَذَا الْأَمْرِ إِلَّا بِسُلْطَانٍ، فَسَأَلَ سُلْطَانًا نَصِيرًا لِكِتَابِ اللَّهِ، وَلِحُدُودِ اللَّهِ، وَلِفَرَائِضِ اللَّهِ، وَلِإِقَامَةِ دِينِ اللَّهِ؛ فَإِنَّ السُّلْطَانَ رَحْمَةٌ مِنَ اللَّهِ جَعَلَهُ بَيْنَ أَظْهُرِ عِبَادِهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَغَارَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَأَكَلَ شَدِيدُهُمْ ضَعِيفَهُمْ. قَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿سُلْطَانًا نَصِيرًا﴾ حُجَّةً بَيِّنَةً. وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ قَوْلَ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ، وَهُوَ الْأَرْجَحُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ الْحَقِّ مِنْ قَهْرٍ لِمَنْ عَادَاهُ وناوأه؛ ولهذا قال [سبحانه و] [[زيادة من ف، أ.]] تَعَالَى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ﴾ [الْحَدِيدِ: ٢٥] وَفِي الْحَدِيثِ: "إِنَّ اللَّهَ لَيَزَع بِالسُّلْطَانِ مَا لَا يَزَعُ بِالْقُرْآنِ" أَيْ: لَيَمْنَعُ بِالسُّلْطَانِ عَنِ ارْتِكَابِ الْفَوَاحِشِ وَالْآثَامِ، مَا لَا يَمْتَنِعُ كثيرٌ مِنَ النَّاسِ بِالْقُرْآنِ، وَمَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ الْأَكِيدِ، وَالتَّهْدِيدِ الشَّدِيدِ، وَهَذَا هُوَ الْوَاقِعُ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ تَهْدِيدٌ ووعيد لكفار قريش؛ فإنه قد جَاءَهُمْ مِنَ اللَّهِ الْحَقُّ الَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ وَلَا قِبَلَ لَهُمْ بِهِ، وَهُوَ مَا بَعَثَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ النَّافِعِ. وزَهَقَ بَاطِلُهُمْ، أَيِ اضْمَحَلَّ وَهَلَكَ، فَإِنَّ الْبَاطِلَ لَا ثَبَاتَ لَهُ مَعَ الْحَقِّ وَلَا بَقَاءَ ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: ١٨] . وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي [[في ت: "ابن".]] مَعْمر، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ مَكَّةَ وَحَوْلَ الْبَيْتِ سِتُّونَ وَثَلَاثُمِائَةِ نُصُبٍ، فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ، وَيَقُولُ: ﴿جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ ، جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ" [[صحيح البخاري برقم (٤٧٢٠) .]] . وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَمُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، كُلُّهُمْ مِنْ طُرُقٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِهِ. [[صحيح البخاري برقم (٢٤٧٨، ٤٢٨٧) ، وصحيح مسلم برقم (١٧٨١) وسنن الترمذي برقم (٣١٣٨) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٢٩٧) .]] [وَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ] [[زيادة من أ.]] . وَكَذَا رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا شَبَابة، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَكَّةَ، وَحَوْلَ الْبَيْتِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ صَنَمًا [[في ت: "نصبا".]] يُعْبَدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ. فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأُكِبَّتْ لِوَجْهِهَا، وَقَالَ: "جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ، إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا" [[ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (١٤/٤٨٧) : حدثنا شبابة بن سوار به.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب