الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى: ﴿أَفَلَمْ يَهْدِ﴾ لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ: يَا مُحَمَّدُ، كَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبِينَ بِالرُّسُلِ قَبْلَهُمْ، فَبَادُوا فَلَيْسَ لَهُمْ بَاقِيَةٌ وَلَا عَيْنٌ وَلَا أَثَرٌ، كَمَا يُشَاهِدُونَ ذَلِكَ مِنْ دِيَارِهِمُ الْخَالِيَةِ الَّتِي خَلَّفُوهُمْ فِيهَا، يَمْشُونَ فِيهَا، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأولِي النُّهَى﴾ أَيِ: الْعُقُولِ الصَّحِيحَةِ وَالْأَلْبَابِ الْمُسْتَقِيمَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الْحَجِّ: ٤٦] ، وَقَالَ فِي سُورَةِ "الم السَّجْدَةِ": ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ﴾ [السَّجْدَةِ: ٢٦] . قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى﴾ أَيْ: لَوْلَا الْكَلِمَةُ السَّابِقَةُ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ أَنَّهُ [[في ف: "أن".]] لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا إِلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ، وَالْأَجَلُ الْمُسَمَّى الَّذِي ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ إِلَى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لَجَاءَهُمْ الْعَذَابُ بَغْتَةً؛ وَلِهَذَا قَالَ لِنَبِيِّهِ مُسَلِّيًا لَهُ: ﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ﴾ أَيْ: مِنْ تَكْذِيبِهِمْ لَكَ، ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ﴾ يَعْنِي: صَلَاةَ الْفَجْرِ، ﴿وَقَبْلَ غُرُوبِهَا﴾ يَعْنِي: صَلَاةَ الْعَصْرِ، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ البَجَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَقَالَ: " إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لَا تُضَامُّون فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَلَّا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا، فَافْعَلُوا" ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ [[صحيح البخاري برقم (٥٥٤) وصحيح مسلم برقم (٦٣٣) .]] . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُوَيْبة قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: " لَنْ يَلجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، بِهِ [[المسند (٤/١٣٦) ، وصحيح مسلم برقم (٦٣٤) .]] . وَفِي الْمُسْنَدِ وَالسُّنَنِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً مَنْ يَنْظُرُ فِي مُلْكِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ، يَنْظُرُ إِلَى أَقْصَاهُ كَمَا يَنْظُرُ إِلَى أَدْنَاهُ، وَإِنَّ أَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْيَوْمِ مرتين " [[المسند (٢/١٣) وسنن الترمذي برقم (٣٣٣٠) وقال: "هذا حديث غريب".]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ﴾ أَيْ: مِنْ سَاعَاتِهِ فَتَهَجَّدْ بِهِ. وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ، ﴿وَأَطْرَافَ النَّهَارِ﴾ فِي مُقَابَلَةِ آنَاءِ اللَّيْلِ، ﴿لَعَلَّكَ تَرْضَى﴾ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ [الضُّحَى: ٥] . وَفِي الصَّحِيحِ: " يَقُولُ اللَّهُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ. فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى، وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ؟ فَيَقُولُ: إِنِّي أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. فَيَقُولُونَ: وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي، فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا " [[صحيح البخاري برقم (٦٥٤٩) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.]] . وَفِي الْحَدِيثِ [الْآخَرِ] [[زيادة من ف، أ.]] يُقَالُ: " يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، إِنَّ لَكُمْ [[في ف: "بكم".]] عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا يُرِيدُ أَنْ يُنْجزكُمُوه. فَيَقُولُونَ: وَمَا هُوَ؟ أَلَمْ يُبَيِّضْ وُجُوهَنَا وَيُثَقِّلْ مَوَازِينَنَا وَيُزَحْزِحْنَا عَنِ النَّارِ، وَيُدْخِلْنَا [[في ف: "تبيض وجوهنا وتثقل موازيننا وتزحزحنا عن النار وتدخلنا".]] الْجَنَّةَ؟ فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَوَاللَّهِ مَا أَعْطَاهُمْ خَيْرًا مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ، وَهِيَ [[في أ: "وهو".]] الزِّيَادَةُ " [[رواه مسلم في صحيحه برقم (١٨١) من حديث صهيب رضي الله عنه.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب