الباحث القرآني

وَهَذَا بُرهان ثَانٍ لِمُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ أَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ فِي جَيْبِهِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى، وَهَاهُنَا عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ﴾ وَقَالَ فِي مَكَانٍ آخَرَ: ﴿وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ﴾ [الْقَصَصِ: ٣٢] . وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ﴾ كَفُّهُ تَحْتَ عَضُدِهِ. وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَانَ إِذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا، تَخْرُجُ تَتَلَأْلَأُ كَأَنَّهَا فَلْقَةُ قَمَرٍ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ أَيْ: مِنْ غَيْرِ بَرَص وَلَا أَذًى، وَمِنْ غَيْرِ شَيْنٍ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَالسُّدِّيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: أَخْرَجَهَا -وَاللَّهِ-كَأَنَّهَا مِصْبَاحٌ، فَعَلِمَ مُوسَى أَنَّهُ قَدْ لَقِيَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى﴾ . وَقَالَ وَهْبٌ: قَالَ لَهُ رَبُّهُ: ادْنُهْ: فَلَمْ يَزَلْ يُدْنِيهِ حَتَّى شَدَّ ظَهْرَهُ بِجِذْعِ الشَّجَرَةِ، فَاسْتَقَرَّ وَذَهَبَتْ عَنْهُ الرِّعْدَةُ، وَجَمَعَ يَدَهُ فِي الْعَصَا، وَخَضَعَ بِرَأْسِهِ وَعُنُقِهِ. * * * وَقَوْلُهُ ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾ أَيِ: اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ، الَّذِي خَرَجت فَارًّا منه وَهَارِبًا، فَادْعُهُ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَمُرْهُ فَلْيُحْسِن إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا يُعَذِّبْهُمْ، فَإِنَّهُ قَدْ طَغَى وبَغَى، وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَنَسِيَ الرَّبَّ الْأَعْلَى. قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّه: قَالَ اللَّهُ لِمُوسَى: انْطَلِقْ بِرِسَالَتِي فَإِنَّكَ بِعَيْنِي وَسَمْعِي، وَإِنِّي [[في ف: "وإن".]] مَعَكَ أَيْدِي ونَصْري، وَإِنِّي قَدْ أَلْبَسْتُكَ جُنَّةً مِنْ سُلْطَانِي لِتَسْتَكْمِلَ بِهَا الْقُوَّةَ فِي أَمْرِي، فَأَنْتَ جُنْدٌ عَظِيمٌ مِنْ جُنْدِي، بَعَثْتُكَ إِلَى خَلْقٍ ضَعِيفٍ مِنْ خَلْقِي، بَطَرَ نِعْمَتِي، وَأَمِنَ مَكْرِي، وَغَرَّتْهُ الدُّنْيَا عَنِّي، حَتَّى جَحَدَ حَقِّي، وَأَنْكَرَ رُبُوبِيَّتِي، وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُنِي، فَإِنِّي أُقْسِمُ بِعِزَّتِي لَوْلَا الْقَدَرُ الَّذِي وَضَعْتُ بَيْنِي وَبَيْنَ خَلْقِي، لَبَطَشْتُ به بطشة جبار، يغضب لغضبه السموات وَالْأَرْضُ، وَالْجِبَالُ وَالْبِحَارُ، فَإِنْ أَمَرْتُ السَّمَاءَ حَصَبَتْهُ، وَإِنْ أَمَرْتُ الْأَرْضَ ابْتَلَعَتْهُ، وَإِنْ أَمَرْتُ الْجِبَالَ دَمَّرَتْهُ، وَإِنْ أَمَرْتُ الْبِحَارَ غَرَّقَتْهُ، وَلَكِنَّهُ هَانَ عَلَيَّ، وَسَقَطَ مِنْ عَيْنِي، وَوَسِعَهُ حِلْمِي، وَاسْتَغْنَيْتُ بِمَا عِنْدِي، وَحَقِّي إِنِّي أَنَا الْغَنِيُّ لَا غَنِيَّ غَيْرِي، فَبَلِّغْهُ رِسَالَتِي، وَادْعُهُ إِلَى عِبَادَتِي وَتَوْحِيدِي وَإِخْلَاصِي، وَذَكِّرْهُ أَيَّامِي [[في أ: "وذكره. آياتي".]] وَحَذِّرْهُ نِقْمَتِي وَبَأْسِي، وَأَخْبِرْهُ أَنَّهُ لَا يَقُومُ شَيْءٌ لِغَضَبِي، وَقُلْ لَهُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى، وخَبّره [[في ف: "وأخبره".]] أَنِّي إِلَى الْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ أَسْرَعُ مِنِّي إِلَى الْغَضَبِ وَالْعُقُوبَةِ، وَلَا يُرَوِّعَنَّكَ مَا أَلْبَسْتُهُ مِنْ لِبَاسِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ نَاصِيَتَهُ بِيَدِي، لَيْسَ يَنْطِقُ وَلَا يَطْرِفُ وَلَا يَتَنَفَّسُ إِلَّا بِإِذْنِي، وَقُلْ لَهُ: أَجِبْ رَبَّكَ فَإِنَّهُ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ، وَقَدْ أَمْهَلَكَ أَرْبَعَمِائَةِ سَنَةٍ، فِي كُلِّهَا أَنْتَ مُبَارِزُهُ بِالْمُحَارَبَةِ، تَسُبُّهُ وَتَتَمَثَّلُ بِهِ وَتَصُدُّ عِبَادَهُ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ يُمْطِرُ عَلَيْكَ السَّمَاءَ، وَيُنْبِتُ لَكَ الْأَرْضَ، [و] [[زيادة من ف.]] لَمْ تَسْقَمْ وَلَمْ تَهْرَمْ وَلَمْ تَفْتَقِرْ [وَلَمْ تُغْلَبْ] [[زيادة من أ.]] وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يعَجِّل لَكَ الْعُقُوبَةَ لَفَعَلَ، وَلَكِنَّهُ ذُو أَنَاةٍ وَحِلْمٍ عَظِيمٍ. وَجَاهِدْهُ بِنَفْسِكَ وَأَخِيكَ وَأَنْتُمَا تَحْتَسِبَانِ بِجِهَادِهِ [[في أ: "وإنما يحتسب أن يجاهده".]] فَإِنِّي لَوْ شِئْتُ أَنْ آتِيهُ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُ بِهَا لَفَعَلْتُ، وَلَكِنْ لِيَعْلَمَ هَذَا الْعَبْدُ الضَّعِيفُ الَّذِي قَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ وَجُمُوعُهُ أَنَّ الْفِئَةَ الْقَلِيلَةَ -وَلَا قَلِيلَ مِنِّي-تَغْلِبُ الْفِئَةَ الْكَثِيرَةَ بِإِذْنِي، وَلَا تُعْجِبَنَّكُمَا [[في ف، أ: "يعجبكما".]] زِينَتُهُ، وَلَا مَا مَتّع بِهِ، وَلَا تَمُدَّا إِلَى ذَلِكَ أَعْيُنُكُمَا، فَإِنَّهَا زَهْرُ [[في ف، أ: "زهرة".]] الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَزِينَةُ الْمُتْرَفِينَ. وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أُزَيِّنَكُمَا مِنَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ، لِيَعْلَمَ فِرْعَوْنُ حِينَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا أَنَّ مَقْدِرَتَهُ تَعْجَزُ عَنْ مِثْلِ مَا أُوتِيتُمَا، فَعَلْتُ، وَلَكِنِّي أَرْغَبُ بِكُمَا عَنْ ذَلِكَ، وَأَزْوِيهِ عَنْكُمَا. وَكَذَلِكَ أَفْعَلُ بِأَوْلِيَائِي، وَقَدِيمًا مَا جَرَتْ عَادَتِي فِي ذَلِكَ. فَإِنِّي لأذودُهم عَنْ نَعِيمِهَا وَرَخَائِهَا، كَمَا يَذُودُ الرَّاعِي الشَّفِيقُ إِبِلَهُ عَنْ مَبَارِكِ الْغِرَّةِ، وَمَا ذَاكَ لِهَوَانِهِمْ عَلَيَّ، وَلَكِنْ لِيَسْتَكْمِلُوا نَصِيبَهُمْ مِنْ كَرَامَتِي سَالِمًا مُوْفَرًا لَمْ تكْلَمْه الدُّنْيَا. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَتَزَيَّنُ لِيَ الْعِبَادُ بِزِينَةٍ هِيَ أَبْلَغُ مِمَّا [[في ف، أ "فيما".]] عِنْدِي مِنَ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّهَا زِينَةُ الْمُتَّقِينَ، عَلَيْهِمْ مِنْهَا لِبَاسٌ يُعْرَفون بِهِ مِنَ السَّكِينَةِ وَالْخُشُوعِ، سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ، أُولَئِكَ أَوْلِيَائِي حَقًّا حَقًّا، فَإِذَا لَقِيْتَهُمْ فَاخْفِضْ لَهُمْ جَنَاحَكَ، وَذَلِّلْ قَلْبَكَ وَلِسَانَكَ، واعلم أنه من أهان لي وَلِيًّا أَوْ أَخَافَهُ، فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ، وَبَادَأَنِي وَعَرَضَ لِي نَفْسَهُ وَدَعَانِي إِلَيْهَا، وَأَنَا أَسْرَعُ شَيْءٍ إِلَى نُصْرَةِ أَوْلِيَائِي، أَفَيَظُنُّ الَّذِي يُحَارِبُنِي أَنْ يَقُومَ لِي، أَمْ يَظُنُّ الَّذِي يُعَادِينِي أَنْ يُعْجِزَنِي، أَمْ [[في أ: "أو".]] يَظُنُّ الَّذِي يُبَارِزُنِي أَنْ يَسْبِقَنِي أَوْ يَفُوتَنِي. وَكَيْفَ وَأَنَا الثَّائِرُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، لَا أَكِلُ مُضْطَرَّهُمْ [[في ف، أ: "نصرتهم".]] إِلَى غَيْرِي. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. ﴿قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي﴾ هَذَا سُؤَالٌ مِنْ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ يَشْرَحَ لَهُ صَدْرَهُ فِيمَا بَعَثَهُ بِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ أَمَرَهُ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَخَطْبٍ جَسِيمٍ، بَعَثَهُ إِلَى أَعْظَمِ مَلِكٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ إِذْ ذَاكَ، وَأَجْبَرِهِمْ، وَأَشَدِّهِمْ كُفْرًا، وَأَكْثَرِهِمْ جُنُودًا، وَأَعْمَرِهِمْ مُلْكًا، وَأَطْغَاهُمْ وَأَبْلَغِهِمْ تَمَرُّدًا، بَلَغَ مِنْ أَمْرِهِ أَنِ ادَّعَى أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ اللَّهَ، وَلَا يَعْلَمُ لِرَعَايَاهُ إِلَهًا غَيْرَهُ. هَذَا وَقَدْ مَكَثَ مُوسَى فِي دَارِهِ مُدَّةً وَلِيدًا عِنْدَهُمْ، فِي حَجْرِ فِرْعَوْنَ، عَلَى فِرَاشِهِ، ثُمَّ قَتَلَ مِنْهُمْ نَفْسًا فَخَافَهُمْ أَنْ يَقْتُلُوهُ، فَهَرَبَ مِنْهُمْ هَذِهِ الْمُدَّةَ بِكَمَالِهَا. ثُمَّ بَعْدَ هَذَا بَعَثَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ نَذِيرًا يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي﴾ أَيْ: إِنْ لَمْ تَكُنْ أَنْتَ عَوْنِي وَنَصِيرِي، وَعَضُدِي وَظَهِيرِي، وَإِلَّا فَلَا طَاقَةَ لِي بِذَلِكَ. ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ وَذَلِكَ لِمَا كَانَ أَصَابَهُ مِنَ اللَّثَغِ، حِينَ عَرَضَ عَلَيْهِ التَّمْرَةَ وَالْجَمْرَةَ، فَأَخَذَ الْجَمْرَةَ فَوَضَعَهَا عَلَى لِسَانِهِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَمَا سَأَلَ أَنْ يَزُولَ ذَلِكَ بِالْكُلِّيَّةِ، بَلْ بِحَيْثُ [[في أ: "بحيث ما".]] يَزُولُ الْعَيُّ، وَيَحْصُلُ لَهُمْ فَهْمُ مَا يُرِيدُ مِنْهُ وَهُوَ قَدْرُ الْحَاجَةِ. وَلَوْ سَأَلَ الْجَمِيعَ لَزَالَ، وَلَكِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يَسْأَلُونَ إِلَّا بِحَسْبِ الْحَاجَةِ، وَلِهَذَا بَقِيَتْ بَقِيَّةٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ فِرْعَوْنَ أَنَّهُ قَالَ: ﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ﴾ [الزُّخْرُفِ ٥٢] أَيْ: يُفْصِحُ بِالْكَلَامِ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي﴾ قَالَ: حُلَّ عُقْدَةً وَاحِدَةً، وَلَوْ سَأَلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أُعْطِيَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شَكَا مُوسَى إِلَى رَبِّهِ مَا يَتَخَوَّفُ من آل فرعون في القتيل، وعقدة لسانه، فَإِنَّهُ كَانَ فِي لِسَانِهِ عُقْدَةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْكَلَامِ، وَسَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُعِينَهُ بِأَخِيهِ هَارُونَ يَكُونُ لَهُ رِدْءًا وَيَتَكَلَّمُ عَنْهُ بِكَثِيرٍ مِمَّا لَا يُفْصِحُ بِهِ لِسَانُهُ، فَآتَاهُ سُؤْلَهُ، فَحَلَّ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِهِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ذُكِرَ عَنْ عَمْرو بْنِ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا بَقِيّة، عَنْ أَرْطَاةَ بْنِ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْهُ قَالَ: أَتَاهُ ذُو قُرَابَةٍ لَهُ. فَقَالَ لَهُ: مَا بِكَ بَأْسٌ لَوْلَا أَنَّكَ تَلْحَنُ فِي كَلَامِكَ، وَلَسْتَ تُعْرِبُ فِي قِرَاءَتِكَ؟ فَقَالَ الْقُرَظِيُّ: يَا ابْنَ أَخِي، أَلَسْتُ أُفْهِمُكَ إِذَا حَدَّثْتُكَ [[في أ: "حدثت"]] ؟ . قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِنَّمَا سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يَحُلَّ [[في ف، أ: "يحلل".]] عُقْدَةً مِنْ لِسَانِهِ كَيْ يَفْقَهَ بَنُو إِسْرَائِيلَ كَلَامَهُ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا. هَذَا لَفْظُهُ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي﴾ : وَهَذَا أَيْضًا سُؤَالٌ مِنْ مُوسَى فِي أَمْرٍ خَارِجِيٍّ عَنْهُ، وَهُوَ مُسَاعَدَةُ أَخِيهِ هَارُونَ لَهُ. قَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: فَنُبّئ هَارُونُ سَاعَتَئِذٍ حِينَ نُبِّئَ مُوسَى، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ذَكَرَ عَنِ ابْنِ نُمَير، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ [[في أ: "هشام بن عون".]] عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا خَرَجَتْ فِيمَا كَانَتْ تَعْتَمِرُ، فنَزَلَتْ بِبَعْضِ الْأَعْرَابِ، فَسَمِعَتْ رَجُلًا يَقُولُ: أَيُّ أَخٍ كَانَ فِي الدُّنْيَا [[في ف، أ: "في الدنيا كان".]] أَنْفَعَ لِأَخِيهِ؟ قَالُوا: مَا نَدْرِي. قَالَ: وَاللَّهِ أَنَا أَدْرِي [[في ف، أ:"وتذكيرا".]] قَالَتْ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: فِي حَلِفِهِ لَا يَسْتَثْنِي، إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَيَّ أَخٍ كَانَ فِي الدُّنْيَا أَنْفَعَ لِأَخِيهِ. قَالَ: مُوسَى حِينَ سَأَلَ لِأَخِيهِ النُّبُوَّةَ. فَقُلْتُ: صَدَقَ وَاللَّهِ. قُلْتُ: وَفِي [[في أ: "ومن".]] هَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الثَّنَاءِ عَلَى مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا﴾ [الْأَحْزَابِ: ٦٩] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: ظَهْرِي. ﴿وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾ أَيْ: فِي مُشَاوَرَتِي. ﴿كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: لَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنَ الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا، حَتَّى يَذْكُرَ اللَّهَ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَمُضْطَجِعًا. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا﴾ أَيْ: فِي اصْطِفَائِكَ لَنَا، وَإِعْطَائِكَ إِيَّانَا النُّبُوَّةَ، وَبَعْثَتِكَ لَنَا إِلَى عَدُوِّكَ فِرْعَوْنَ، فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى ذَلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب