الباحث القرآني

يَذْكُرُ تَعَالَى نِعَمَهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ الْعِظَامَ، وَمِنَنَهُ الْجِسَامَ، حَيْثُ نَجَّاهم مِنْ عَدُوِّهِمْ فِرْعَوْنَ، وَأَقَرَّ أَعْيُنَهُمْ مِنْهُ، وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَإِلَى جُنْدِهِ قَدْ غَرِقُوا فِي صَبِيحَةٍ وَاحِدَةٍ، لَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، كَمَا قَالَ [تَعَالَى] : [[زيادة من ف.]] ﴿وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ [الْبَقَرَةِ: ٥٠] . وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا رَوْح بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ وَالْيَهُودُ تَصُومُ عَاشُورَاءَ، فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا: هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي أَظْفَرَ اللَّهُ فِيهِ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ، فَقَالَ: " نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى فَصُومُوهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا فِي صَحِيحِهِ [[صحيح البخاري برقم (٤٧٣٧) ، وصحيح مسلم برقم (١١٣٠) .]] . ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى وَاعَدَ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ هَلَاكِ فِرْعَوْنَ إِلَى جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ، وَهُوَ الَّذِي كَلَّمَهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَسَأَلَ فِيهِ الرُّؤْيَةَ، وَأَعْطَاهُ التَّوْرَاةَ هُنَاكَ. [[في ف، أ: "هنالك".]] وَفِي غُضُون ذَلِكَ عَبَدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْعِجْلَ، كَمَا يَقُصُّهُ تَعَالَى قَرِيبًا. وَأَمَّا الْمَنُّ وَالسَّلْوَى، فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي سُورَةِ "الْبَقَرَةِ" [[عند تفسير الآية ٥٧ وما بعدها.]] وَغَيْرِهَا. فَالْمَنُّ: حَلْوَى كَانَتْ تَنْزِلُ عَلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ. وَالسَّلْوَى: طَائِرٌ يَسْقُطُ عَلَيْهِمْ، فَيَأْخُذُونَ مِنْ كُلٍّ، قَدْرَ الْحَاجَةِ إِلَى الْغَدِ، لُطْفًا مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةً بِهِمْ، وَإِحْسَانًا إِلَيْهِمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي﴾ أَيْ: كُلُوا مِنْ هَذَا [الرِّزْقِ] [[زيادة من ف، أ.]] الَّذِي رَزَقْتُكُمْ، وَلَا تَطْغَوْا فِي رِزْقِي، فَتَأْخُذُوهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَتُخَالِفُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ، ﴿فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي﴾ أَيْ: أَغْضَبُ عَلَيْكُمْ ﴿وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى﴾ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَيْ: فَقَدْ شَقِيَ. وَقَالَ شُفَيّ بْنُ مَاتِعٍ: إِنَّ فِي جَهَنَّمَ قَصْرًا يُرمى الْكَافِرُ مِنْ أَعْلَاهُ، فَيَهْوِي فِي جَهَنَّمَ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الصَّلْصَالَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى﴾ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ أَيْ: كُلُّ مَنْ تَابَ إِلَيَّ تبتُ عَلَيْهِ مِنْ أَيِّ ذَنْبٍ كَانَ، حَتَّى إِنَّهُ تَعَالَى تَابَ [[في ف، أ: "أنه تاب تعالى".]] عَلَى مَنْ عبد العجل من بني إسرائيل. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿تَابَ﴾ أَيْ: رَجَعَ عَمَّا كَانَ فِيهِ مِنْ كُفْرٍ أَوْ شِرْكٍ أَوْ نِفَاقٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَآمَنَ﴾ أَيْ: بِقَلْبِهِ [[في ف: "قلبه".]] ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ أَيْ: بِجَوَارِحِهِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ اهْتَدَى﴾ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَيْ ثُمَّ لَمْ يُشَكِّكْ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: ﴿ثُمَّ اهْتَدَى﴾ أَيِ: اسْتَقَامَ عَلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ. ورُوي نَحْوُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿ثُمَّ اهْتَدَى﴾ أَيْ: لَزِمَ الْإِسْلَامَ حَتَّى يَمُوتَ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: ﴿ثُمَّ اهْتَدَى﴾ أَيْ: عَلِمَ أَنَّ لِهَذَا [[في ف: "هذا".]] ثَوَابًا. وَثُمَّ هَاهُنَا لِتَرْتِيبِ الْخَبَرِ عَلَى الْخَبَرِ، كَقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾ [الْبَلَدِ: ١٧] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب