الباحث القرآني

سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَر، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ أَبِي إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ [[في أ: "زيد".]] ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَالْكَهْفُ، وَمَرْيَمُ، وَطه، وَالْأَنْبِيَاءُ، هُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي [[صحيح البخاري برقم (٤٧٣٩) .]] . بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * * * هَذَا تَنْبِيهٌ مِنَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى اقْتِرَابِ السَّاعَةِ وَدُنُوِّهَا، وَأَنَّ النَّاسَ فِي غَفْلَةٍ عَنْهَا، أَيْ: لَا يَعْمَلُونَ لَهَا، وَلَا يَسْتَعِدُّونَ مِنْ أَجْلِهَا. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ ﴿فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾ قَالَ: "فِي الدُّنْيَا" [[سنن النسائي الكبرى برقم (١١٣٣٢) .]] ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النَّحْلِ: ١] ، وَقَالَ [تَعَالَى] [[زيادة من ف، أ.]] : ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾ [الْقَمَرِ: ١، ٢] وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ الْحَسَنِ بْنِ هَانِئٍ أَبِي نُوَاس الشَّاعِرِ أَنَّهُ قَالَ: أَشْعَرُ النَّاسِ الشَّيْخُ الطَّاهِرُ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ حَيْثُ يَقُولُ: النَّاس فِي غَفَلاتِهِمْ ... وَرَحا المِنيَّة تَطْحَنُ ... فَقِيلَ لَهُ: مِنْ أَيْنَ أَخَذَ [[في ف، أ: "أخذت".]] هَذَا؟ قَالَ [[في ف، أ: "فقال".]] : مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾ [[تاريخ دمشق (٤/٦١١ "المخطوط") .]] . [وَرَوَى فِي تَرْجَمَةِ "عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ"، مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الْآمِدِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنِ أَبِيهِ، عن عامر ابن رَبِيعَةَ: أَنَّهُ نَزَلَ بِهِ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ، فَأَكْرَمَ عَامِرٌ مَثْوَاهُ، وَكَلَّمَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَجَاءَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ: إِنِّي اسْتَقْطَعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَادِيًا فِي الْعَرَبِ، وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ أقطعَ لَكَ مِنْهُ قِطْعَةً تَكُونُ لَكَ وَلِعَقِبِكَ مِنْ بَعْدِكَ. فَقَالَ عَامِرٌ: لَا حَاجَةَ لِي فِي قَطِيعَتِكَ، نَزَلَتِ الْيَوْمَ سُورَةٌ أَذْهَلَتْنَا عَنِ الدُّنْيَا: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾ ] [[زيادة من ف، أ.]] [[تاريخ دمشق (٨/٦٨٠ "المخطوط") .]] . ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ لَا يُصغون إِلَى الْوَحْيِ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَالْخِطَابُ مَعَ قُرَيْشٍ وَمَنْ شَابَهَهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ، فَقَالَ: ﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ﴾ أَيْ: جَدِيدٌ إِنْزَالُهُ ﴿إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا لَكُمْ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَمَّا بِأَيْدِيهِمْ وَقَدْ حَرفوه وَبَدَّلُوهُ وَزَادُوا فِيهِ وَنَقَصُوا مِنْهُ، وَكِتَابُكُمْ أَحْدَثُ الْكُتُبِ بِاللَّهِ تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِنَحْوِهِ [[صحيح البخاري برقم (٧٥٢٢) .]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أَيْ: قَائِلِينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ خفْيَةً ﴿هَلْ هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ يعنونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، يَسْتَبْعِدُونَ كَوْنَهُ نَبِيًّا؛ لِأَنَّهُ بَشَرٌ مِثْلُهُمْ، فَكَيْفَ اخْتُصَّ بِالْوَحْيِ دُونَهُمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ ؟ أَيْ: أَفَتَتْبَعُونَهُ فَتَكُونُونَ كَمَنْ أَتَى [[في أ: "يأتي".]] السِّحْرَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ سِحْرٌ. فَقَالَ تَعَالَى مُجِيبًا لَهُمْ عَمَّا افْتَرَوْهُ وَاخْتَلَقُوهُ مِنَ الْكَذِبِ. ﴿قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ﴾ أَيِ: الَّذِي يَعْلَمُ ذَلِكَ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآنَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى خَبَرِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ، الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ بمثله، إلا الذي يعلم السر في السموات وَالْأَرْضِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [أَيِ: السَّمِيعُ] [[زيادة من ف، أ.]] لِأَقْوَالِكُمْ، ﴿الْعَلِيم﴾ بِأَحْوَالِكُمْ. وَفِي هَذَا تَهْدِيدٌ لَهُمْ وَوَعِيدٌ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ﴾ هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ تَعَنُّتِ الْكُفَّارِ وَإِلْحَادِهِمْ، وَاخْتِلَافِهِمْ فِيمَا يَصِفُونَ بِهِ [[في ف، أ: " فيه".]] الْقُرْآنَ، وَحَيْرَتِهِمْ فِيهِ، وَضَلَالِهِمْ عَنْهُ. فَتَارَةً يَجْعَلُونَهُ سِحْرًا، وَتَارَةً يَجْعَلُونَهُ شِعْرًا، وَتَارَةً يَجْعَلُونَهُ أَضْغَاثَ أَحْلَامٍ، وَتَارَةً يَجْعَلُونَهُ مُفْتَرًى، كَمَا قَالَ: ﴿انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٤٨، وَالْفُرْقَانِ: ٩] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأوَّلُونَ﴾ : يَعْنُونَ نَاقَةَ صَالِحٍ، وَآيَاتِ مُوسَى وَعِيسَى. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا﴾ [الْآيَةَ] [[زيادة من ف.]] [الْإِسْرَاءِ: ٥٩] ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ﴾ أَيْ: مَا آتَيْنَا قَرْيَةً مِنَ الْقُرَى الَّذِينَ بُعِثَ فِيهِمْ الرُّسُلُ آيَةً عَلَى يَدَيْ نَبِيِّهَا فَآمَنُوا بِهَا، بَلْ كَذَّبُوا، فأهلكناهم بِذَلِكَ، أَفَهَؤُلَاءِ يُؤْمِنُونَ بِالْآيَاتِ لَوْ [[في ف: "ولو".]] رَأَوْها دُونَ أُولَئِكَ؟ كَلَّا بَلْ ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ﴾ [يُونُسَ: ٩٦، ٩٧] . هَذَا كُلُّهُ، وَقَدْ شَاهَدُوا مِنَ الْآيَاتِ الْبَاهِرَاتِ، وَالْحُجَجِ الْقَاطِعَاتِ، وَالدَّلَائِلِ الْبَيِّنَاتِ، عَلَى يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَا هُوَ أَظْهَرُ وَأَجْلَى، وَأَبْهَرُ وَأَقْطَعُ وَأَقْهَرُ، مِمَّا شُوهِدَ مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: ذُكِرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ زَيْدٍ الْحَضْرَمِيُّ، عَنْ عُلَيِّ بْنِ رَبَاحٍ اللَّخْمِيِّ، حَدَّثَنِي مَنْ شَهِدَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، يَقُولُ: كُنَّا فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَنَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يُقْرِئُ بَعْضُنَا بَعْضًا الْقُرْآنَ، فَجَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بن أبي بن سَلُولَ، وَمَعَهُ نُمْرُقة وزِرْبِيّة، فَوَضَعَ وَاتَّكَأَ، وَكَانَ صَبِيحًا فَصِيحًا جَدِلًا فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، قُلْ لِمُحَمَّدٍ يَأْتِينَا بِآيَةٍ كَمَا جَاءَ الْأَوَّلُونَ؟ جَاءَ مُوسَى بِالْأَلْوَاحِ، وَجَاءَ دَاوُدُ بِالزَّبُورِ، وَجَاءَ صَالِحٌ بِالنَّاقَةِ، وَجَاءَ عِيسَى بِالْإِنْجِيلِ وَبِالْمَائِدَةِ. فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: قُومُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ [[في ف: "إلى رسوله".]] ﷺ نَسْتَغِيثُ بِهِ مِنْ هَذَا الْمُنَافِقِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّهُ لَا يُقَامُ لِي، إِنَّمَا يُقَامُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ". فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَقِينَا مِنْ هَذَا الْمُنَافِقِ. فَقَالَ:"إِنَّ [[في ف: "أتى".]] جِبْرِيلَ قَالَ [[في ف: "فقال".]] لِي: اخْرُجْ فَأَخْبِرْ بِنِعَمِ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْكَ، وَفَضِيلَتِهِ الَّتِي فُضِّلت بِهَا، فَبَشَّرَنِي أَنِّي بُعِثْتُ إِلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ، وَأَمَرَنِي أَنْ أُنْذِرَ الْجِنَّ، وَآتَانِي كِتَابَهُ وَأَنَا أُمِّيٌّ، وَغَفَرَ ذَنْبِي مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ، وَذَكَرَ اسْمِي فِي الْأَذَانِ وَأَيَّدَنِي [[في أ: "وأمرني".]] بِالْمَلَائِكَةِ، وَآتَانِي النَّصْرَ، وَجَعَلَ الرُّعْبَ أَمَامِي، وَآتَانِي الْكَوْثَرَ، وَجَعَلَ حَوْضِي مِنْ أَعْظَمِ الْحِيَاضِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَوَعَدَنِي الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ وَالنَّاسُ مُهْطِعُونَ مُقْنِعُو [[في ف: "مقنعي".]] رُءُوسِهِمْ، وَجَعَلَنِي فِي أَوَّلِ زُمْرَةٍ تَخْرُجُ مِنَ النَّاسِ، وَأَدْخَلَ فِي شَفَاعَتِي سَبْعِينَ أَلْفًا مِنْ أُمَّتِي الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَآتَانِي السُّلْطَانَ وَالْمُلْكَ، وَجَعَلَنِي فِي أَعْلَى غُرْفَةٍ فِي الْجَنَّةِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ [[في ف، أ: "عدن".]] ، فَلَيْسَ فَوْقِي أَحَدٌ إِلَّا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ، وَأَحَلَّ لِيَ [[في ف، أ: "لي ولأمتي".]] الْغَنَائِمَ [[في أ: "المغانم".]] ، وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلَنَا". وَهَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ جِدًّا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب