الباحث القرآني

يخبر تعالى أنه خلق السموات وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ، أَيْ: بِالْعَدْلِ وَالْقِسْطِ، ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾ [النَّجْمِ:٣١] ، وَأَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْ ذَلِكَ عَبَثًا وَلَا لَعِبًا، كَمَا قَالَ: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ [[في ف، أ: "السماوات".]] وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾ [ص:٢٧] * * * وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ قَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا﴾ يَعْنِي: مِنْ عِنْدِنَا، يَقُولُ: وَمَا خَلَقْنَا جَنَّةً وَلَا نَارًا، وَلَا مَوْتًا، وَلَا بَعْثًا، وَلَا حِسَابًا. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُهُمَا: ﴿لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا﴾ اللهو: المرأة بلسان أهل اليمن. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخعِي: ﴿لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ﴾ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَالسُّدِّيُّ: الْمُرَادُ بِاللَّهْوِ هَاهُنَا: الْوَلَدُ. وَهَذَا وَالَّذِي قَبْلَهُ مُتَلَازِمَانِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ﴾ [الزُّمَرِ:٤] ، فَنَزَّهَ نَفْسَهُ عَنِ اتِّخَاذِ الْوَلَدِ مُطْلَقًا، لَا سِيَّمَا عَمَّا يَقُولُونَ مِنَ الْإِفْكِ وَالْبَاطِلِ، مِنَ اتِّخَاذِ عِيسَى، أَوِ الْعُزَيْرِ [[في ف: "أو عزيز".]] أَوْ الْمَلَائِكَةِ، ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾ [الْإِسْرَاءِ:٤٣] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ قَالَ قَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَمُغِيرَةُ بْنُ مِقْسَم، أَيْ: مَا كُنَّا فَاعِلِينَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ "إِنْ" فَهُوَ إِنْكَارٌ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ﴾ أَيْ: نُبَيِّنُ الْحَقَّ فَيَدْحَضُ الْبَاطِلَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ أَيْ: ذَاهِبٌ مُضْمَحِلٌّ، ﴿وَلَكُمُ الْوَيْلُ﴾ أي: أيها القاتلون: لِلَّهِ وَلَدٌ، ﴿مِمَّا تَصِفُونَ﴾ أَيْ: تَقُولُونَ وَتَفْتَرُونَ. ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ عُبُودِيَّةِ الْمَلَائِكَةِ لَهُ، وَدَأْبِهِمْ فِي طَاعَتِهِ لَيْلًا وَنَهَارًا، فَقَالَ: ﴿وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ﴾ يَعْنِي: الْمَلَائِكَةَ، ﴿لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ﴾ أَيْ: لَا يَسْتَنْكِفُونَ عَنْهَا، كَمَا قَالَ: ﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا﴾ [النِّسَاءِ:١٧٢] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَلا يَسْتَحْسِرُونَ﴾ أَيْ: لَا يَتْعَبُونَ وَلَا يَملُّون. ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾ فَهُمْ دَائِبُونَ فِي الْعَمَلِ لَيْلًا وَنَهَارًا، مُطِيعُونَ قَصْدًا وَعَمَلًا قَادِرُونَ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التَّحْرِيمِ:٦] . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي دُلامة الْبَغْدَادِيِّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَفْوَانِ بْنِ مُحرِز، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَام قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ أَصْحَابِهِ، إِذْ قَالَ لَهُمْ: "هَلْ تَسْمَعُونَ مَا أَسْمَعُ؟ " قَالُوا: مَا نَسْمَعُ مِنْ شَيْءٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنِّي لَأَسْمَعُ أَطِيطَ السَّمَاءِ، وَمَا تُلَامُ أَنْ تَئِطَّ، وَمَا فِيهَا مَوْضِعِ شِبْر إِلَّا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ قَائِمٌ". غَرِيبٌ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ [[ورواه الطبراني في المعجم الكبير (٣/٢٠١) والطحاوي في مشكل الآثار برقم (١١٣٤) من طريق عبد الوهاب بن عطاء به، وله شاهد من حديث أبي ذر الغفاري أخرجه الترمذي في السنن برقم (٢٣١٢) وقال: "هذا حديث حسن غريب".]] . ثُمَّ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْع، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ مُرْسَلًا. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ [[في هـ، ف، أ: "محمد بن إسحاق" والمثبت من الطبري ١٧/٧٠.]] ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ مُخَارِقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَأَنَا غُلَامٌ، فَقُلْتُ لَهُ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ [لِلْمَلَائِكَةِ] [[زيادة من ف، أ.]] ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾ أَمَا يَشْغَلُهُمْ عَنِ التَّسْبِيحِ الْكَلَامُ وَالرِّسَالَةُ وَالْعَمَلُ؟. فَقَالَ: فَمَنْ هَذَا الْغُلَامُ؟ فَقَالُوا: مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: فَقَبَّلَ رَأْسِي، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا بُنَيَّ، إِنَّهُ جَعَلَ لَهُمُ التَّسْبِيحَ، كَمَا جَعَلَ لَكُمُ النَّفَسَ، أَلَيْسَ تَتَكَلَّمُ وَأَنْتَ تَتَنَفَّسُ [[في ف: "وأنت تمشي".]] وَتَمْشِي وَأَنْتَ تَتَنَفَّسُ؟.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب