الباحث القرآني

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُرّة، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: كَانَ ذَلِكَ الْحَرْثُ كَرْمًا قَدْ نَبَتَتْ عَنَاقِيدُهُ. وَكَذَا قَالَ شُرَيْح. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: النَّفْشُ: الرَّعْيُ. وَقَالَ شُرَيح، وَالزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ: النَّفْشُ بِاللَّيْلِ. زَادَ قَتَادَةُ: والهَمْلُ بِالنَّهَارِ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَهَارُونُ بْنُ إدريسَ الْأَصَمُّ قَالَا حدثنا المحاربي، عن أشعت، عَنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُرّة، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ﴾ قَالَ: كَرْمٌ قَدْ أَنْبَتَتْ عَنَاقِيدُهُ، فَأَفْسَدَتْهُ. قَالَ: فَقَضَى دَاوُدُ بالغَنَم لِصَاحِبِ الكَرْم، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: غيرُ هَذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ! قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: تَدْفَعُ الْكَرْمَ إِلَى صَاحِبِ الْغَنَمِ، فَيَقُومُ عَلَيْهِ حَتَّى يَعُودَ كَمَا كَانَ، وَتَدْفَعُ الْغَنَمَ إِلَى صَاحِبِ الْكَرْمِ فيُصيب مِنْهَا حَتَّى إِذَا كَانَ الْكَرْمُ كَمَا كَانَ دَفَعْتَ الْكَرْمَ إِلَى صَاحِبِهِ، وَدَفَعْتَ الْغَنَمَ إِلَى صَاحِبِهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ﴾ . وَهَكَذَا رَوَى العَوْفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا [[في ف: "حدثني".]] خَلِيفَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فَحَكَمَ [[في ف، أ: "قضى".]] دَاوُدُ بِالْغَنَمِ لِأَصْحَابِ الْحَرْثِ، فَخَرَجَ الرِّعاء مَعَهُمُ الْكِلَابُ، فَقَالَ لَهُمْ سُلَيْمَانُ: كَيْفَ قَضَى بَيْنَكُمْ؟ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: لَوْ وَلَيْتُ أَمْرَكُمْ لقضيتُ بِغَيْرِ هَذَا! فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ دَاوُدُ، فَدَعَاهُ فَقَالَ: كَيْفَ تَقْضِي بَيْنَهُمْ؟ قَالَ [[في ف: "فقال".]] أَدْفَعُ الْغَنَمَ إِلَى صَاحِبِ الْحَرْثِ، فَيَكُونُ لَهُ أَوْلَادُهَا وَأَلْبَانُهَا وَسِلَاؤُهَا وَمَنَافِعُهَا ويبذُر أَصْحَابُ الْغَنَمِ لِأَهْلِ الْحَرْثِ مثلَ حَرْثِهِمْ، فَإِذَا بَلَغَ الْحَرْثُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ أَخَذَ أَصْحَابُ الْحَرْثِ الحرثَ وَرَدُّوا الْغَنَمَ إِلَى أَصْحَابِهَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا خُدَيْج، عَنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُرَّة، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: الْحَرْثُ الَّذِي نَفَشَتْ فِيهِ الْغَنَمُ إِنَّمَا كَانَ كَرْمًا نَفَشَتْ فِيهِ الْغَنَمُ، فَلَمْ تَدَع فِيهِ وَرَقَةً وَلَا عُنْقُودًا مِنْ عِنَبٍ إِلَّا أَكَلَتْهُ، فَأَتَوْا دَاوُدَ، فَأَعْطَاهُمْ رِقَابَهَا، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: لَا بَلْ تُؤْخَذُ الْغَنَمُ فَيُعْطَاهَا [[في ف: "فتعطى".]] أهلُ الْكَرْمِ، فَيَكُونُ لَهُمْ لَبَنُهَا وَنَفْعُهَا، وَيُعْطَى أَهْلُ الْغَنَمِ الْكَرْمَ فَيُصْلِحُوهُ وَيُعَمِّرُوهُ [[في ف: "فيعمره ويصلحوه".]] حَتَّى يَعُودَ كَالَّذِي كَانَ لَيْلَةَ نَفَشت فِيهِ الْغَنَمُ، ثُمَّ يُعطَى أهل الغنم غنمهم، وأهل الكرم كرمهم. وَهَكَذَا قَالَ شُرَيح، ومُرَّة، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زِيَادٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلَانِ إِلَى شُرَيح، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إِنَّ شَاةَ هَذَا قَطَعَتْ غَزَلًا لِي، فَقَالَ شُرَيْحٌ: نَهَارًا أَمْ لَيْلًا؟ فَإِنْ كَانَ نَهَارًا فَقَدْ بَرِئَ صَاحِبُ الشَّاةِ، وَإِنْ كَانَ لَيْلًا ضَمِن، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ﴾ الْآيَةَ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شُرَيح شَبِيهٌ بِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَرام بْنِ مُحَيْصة [[في ف: "عن حرام عن الزهري بن محيصة".]] ؛ أَنَّ نَاقَةَ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ دَخَلَتْ حَائِطًا، فَأَفْسَدَتْ فِيهِ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ، وَمَا أَفْسَدَتِ الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ ضَامِنٌ عَلَى أَهْلِهَا [[المسند (٥/٤٣٥) وسنن أبي داود برقم (٣٥٧٠) وسنن ابن ماجه برقم (٢٣٣٢) . تنبيه: هذا الطريق إنما هو طريق ابن ماجه، أما أحمد فرواه عن مالك وسفيان ومعمر عن الزهري، وأما أبو داود فرواه عن معمر والأوزعي عن الزهري.]] . وَقَدْ عُلِّل هَذَا الْحَدِيثُ، وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ "الْأَحْكَامِ" وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ؛ أَنَّ إِيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ لَمَّا اسْتَقْضَى أَتَاهُ الْحَسَنُ فَبَكَى، قَالَ [[في ف، أ: "فقال".]] مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ [[في ف، أ: "فقال"]] يَا أَبَا سَعِيدٍ، بَلَغَنِي أَنَّ الْقُضَاةَ: رَجُلٌ اجْتَهَدَ فَأَخَطَأَ، فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ مَالَ بِهِ الْهَوَى فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ اجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ. فَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: إِنَّ فِيمَا قَصَّ اللَّهُ مَنْ نَبَأِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَالْأَنْبِيَاءِ حُكْمًا يَرُدُّ قَوْلَ هَؤُلَاءِ النَّاسِ عَنْ قَوْلِهِمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ﴾ فَأَثْنَى اللَّهُ عَلَى سُلَيْمَانَ وَلَمْ يَذُمَّ دَاوُدَ. ثُمَّ قَالَ -يَعْنِي: الْحَسَنَ-: إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَ عَلَى الْحُكَمَاءِ ثَلَاثًا: لَا يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا وَلَا يَتَّبِعُونَ فِيهِ الْهَوَى، وَلَا يَخْشَوْنَ فِيهِ أَحَدًا، ثُمَّ تَلَا ﴿يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [[زيادة من ف، أ.]] ] ﴾ [ص:٢٦] وَقَالَ: ﴿فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ﴾ [الْمَائِدَةِ:٤٤] ، وَقَالَ ﴿وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا﴾ [الْمَائِدَةِ:٤٤] . قُلْتُ: أَمَّا الْأَنْبِيَاءُ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فَكُلُّهُمْ مَعْصُومُونَ مُؤيَّدون مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ [[في ف: "ما لا اختلاف فيه".]] فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ الْمُحَقِّقِينَ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَأَمَّا مَنْ سِوَاهُمْ فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أجران، وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ [[في ف: "وأخطأ".]] فَلَهُ أَجْرٌ" [[صحيح البخاري برقم (٧٣٥٢) .]] فَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ نَصًّا مَا تَوَهَّمَهُ "إِيَاسٌ" مِنْ أَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا اجْتَهَدَ فَأَخَطَأَ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي السُّنَنِ: "الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: قَاضٍ فِي الْجَنَّةِ، وَقَاضِيَانِ فِي النَّارِ: رَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ وَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَرَجُلٌ حَكَمَ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ وَقَضَى بِخِلَافِهِ، فَهُوَ فِي النَّارِ [[سنن أبي داود برقم (٣٥٧٣) وسنن النسائي الكبرى برقم (٥٩٢٢) وسنن ابن ماجه برقم (٢٣١٥)]] . وَقَرِيبٌ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْص، أَخْبَرَنَا وَرْقاء عَنْ أَبِي الزِّنَاد، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "بَيْنَمَا امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَانِ لَهُمَا، جَاءَ [[في ف: "إذ جاء".]] الذِّئْبُ فَأَخَذَ أَحَدَ الِابْنَيْنِ، فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ، فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى، فَخَرَجَتَا. فَدَعَاهُمَا سُلَيْمَانُ فَقَالَ: هَاتُوا السِّكِّينَ أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا، فَقَالَتِ الصُّغْرَى: يَرْحَمُكَ اللَّهُ هُوَ ابْنُهَا، لَا تَشُقه، فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى" [[المسند (٢/٣٢٢)]] . وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ في صحيحهما [[في ف: "صحيحيهما".]] وَبَوَّبَ عَلَيْهِ النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ: (بَابُ الْحَاكِمُ يُوهِمُ خِلَافَ الْحُكْمِ لِيَسْتَعْلِمَ الْحَقَّ) [[صحيح البخاري برقم (٦٧٦٩) وصحيح مسلم برقم (١٧٢٠) وسنن النسائي الكبرى برقم (٥٩٥٨) والباب فيه "التوسعة للحاكم في أن يقول للشيء الذي لا يفعله أفعل ليستبين له الحق".]] . وَهَكَذَا القصة التي أوردها الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ "سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ" مِنْ تَارِيخِهِ، مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -فَذَكَرَ قِصَّةً مُطَوَّلَةً [[في ف: "طويلة".]] مُلَخَّصُهَا-: أَنَّ امْرَأَةً حَسْنَاءَ فِي زَمَانِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، رَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا أَرْبَعَةٌ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ، فَامْتَنَعَتْ عَلَى [[في أ: "عن".]] كُلٍّ مِنْهُمْ، فَاتَّفَقُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَيْهَا، فَشَهِدُوا عَلَيْهَا عِنْدَ دَاوُدَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهَا مَكَّنت مِنْ نَفْسِهَا كَلْبًا لَهَا، قَدْ عَوَّدَتْهُ ذَلِكَ مِنْهَا، فَأَمَرَ بِرَجْمِهَا. فَلَمَّا كَانَ عَشِيَّةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، جَلَسَ سُلَيْمَانُ، وَاجْتَمَعَ مَعَهُ وِلْدانٌ، مِثْلُهُ، فَانْتَصَبَ حَاكِمًا وَتَزَيَّا أَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ بِزِيِّ أُولَئِكَ، وَآخَرُ بِزِيِّ الْمَرْأَةِ، وَشَهِدُوا عَلَيْهَا بِأَنَّهَا مكَنت مِنْ نَفْسِهَا كَلْبًا، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: فَرِّقُوا بَيْنَهُمْ. فَقَالَ لِأَوَّلِهِمْ: مَا كَانَ لَوْنُ الْكَلْبِ؟ فَقَالَ: أَسْوَدُ. فَعَزَلَهُ، وَاسْتَدْعَى الْآخَرَ فَسَأَلَهُ عَنْ لَوْنِهِ، فَقَالَ: أَحْمَرُ. وَقَالَ الْآخَرُ: أَغْبَشُ. وَقَالَ الْآخَرُ: أَبْيَضُ. فَأَمَرَ بِقَتْلِهِمْ، فَحُكِيَ ذَلِكَ لِدَاوُدَ، فَاسْتَدْعَى مِنْ فَوْرِهِ بِأُولَئِكَ الْأَرْبَعَةِ، فَسَأَلَهُمْ مُتَفَرِّقِينَ عَنْ لَوْنِ ذَلِكَ الْكَلْبِ، فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ، فأمر بقتلهم [[تاريخ دمشق (٧/٥٦٥ "المخطوط")]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ﴾ : وَذَلِكَ لِطِيبِ صَوْتِهِ بِتِلَاوَةِ كِتَابِهِ الزَّبُورِ، وَكَانَ إِذَا تَرَنَّم بِهِ تَقِفُ الطَّيْرُ فِي الْهَوَاءِ، فَتُجَاوِبُهُ، وتَرد عَلَيْهِ الْجِبَالُ تَأْوِيبًا؛ وَلِهَذَا لمَّا مَرَّ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَهُوَ يَتْلُو الْقُرْآنَ مِنَ اللَّيْلِ، وَكَانَ لَهُ صَوْتٌ طَيِّبٌ [جَدًا] [[زيادة من ف، أ.]] . فَوَقَفَ وَاسْتَمَعَ لِقِرَاءَتِهِ، وَقَالَ: "لَقَدْ أُوتِيَ هَذَا مَزَامِيرَ آلِ دَاوُدَ". قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْمَعُ [[في ف: "تستمع".]] لِحَبَّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيرًا [[سبق الحديث في فضائل القرآن.]] . وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ: مَا سَمِعْتُ صَوْتَ صَنْج وَلَا بَرَبْطَ وَلَا مِزْمَارٍ مِثْلَ صَوْتِ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمَعَ هَذَا قَالَ: لَقَدْ أُوتِيَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِيُحْصِنَكُمْ [[في ف، أ: "لتحصنكم".]] مِنْ بَأْسِكُمْ﴾ يَعْنِي صَنْعَةَ الدُّرُوعِ. قَالَ قَتَادَةُ: إِنَّمَا كَانَتِ الدُّرُوعُ قَبْلَهُ صَفَائِحَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ سَرَدَهَا حلَقًا. كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ. أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ [سَبَأٍ:١٠، ١١] أَيْ: لَا تُوَسِّعِ الْحَلْقَةَ فَتُقْلِقَ [[في ف: "فتفلق".]] الْمِسْمَارَ، وَلَا تُغْلِظِ الْمِسْمَارَ فتَقَدّ الحَلْقة؛ وَلِهَذَا قال: ﴿لِيُحْصِنَكُمْ [[في ف، أ: "لتحصنكم".]] مِنْ بَأْسِكُمْ﴾ يَعْنِي: فِي الْقِتَالِ، ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ﴾ أَيْ: نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، لِمَا أَلْهَمَ بِهِ عَبْدَهُ دَاوُدَ، فَعَلَّمَهُ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِكُمْ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً﴾ أَيْ: وَسَخَّرْنَا لِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ الْعَاصِفَةَ، ﴿تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ يَعْنِي أَرْضَ الشَّامِ، ﴿وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ﴾ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ بِسَاطٌ مِنْ خَشَبٍ، يُوضَعُ عَلَيْهِ كُلُّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ أُمُورِ الْمَمْلَكَةِ، وَالْخَيْلِ وَالْجِمَالِ وَالْخِيَامِ وَالْجُنْدِ، ثُمَّ يَأْمُرُ الرِّيحَ أَنْ تَحْمِلَهُ فَتَدْخُلَ تَحْتَهُ، ثُمَّ تَحْمِلَهُ فَتَرْفَعَهُ وَتَسِيرَ بِهِ، وَتُظِلُّهُ الطَّيْرُ مِنَ الْحَرِّ، إِلَى حَيْثُ يَشَاءُ مِنَ الْأَرْضِ، فَيَنْزِلُ وَتُوضَعُ آلَاتُهُ وَخُشُبُهُ [[في أ: "وحشمه"]] ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ﴾ [ص:٣٦] ، وَقَالَ ﴿غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ﴾ [سَبَأٍ:١٢] . قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ذُكِرَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ أَبِي سِنَان، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَانَ يُوضَع لِسُلَيْمَانَ سِتُّمِائَةِ أَلْفِ كُرْسِيٍّ، فَيَجْلِسُ مِمَّا يَلِيهِ مُؤْمِنُو الْإِنْسِ، ثُمَّ يَجْلِسُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُؤْمِنُو الْجِنِّ، ثُمَّ يَأْمُرُ الطَّيْرَ فَتُظِلُّهُمْ، ثُمَّ يَأْمُرُ الرِّيحَ فَتَحْمِلُهُ ﷺ [[في أ: "فتحملهم عليه السلام".]] . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْد بْنِ عُمَيْرٍ: كَانَ سُلَيْمَانُ يَأْمُرُ الرِّيحَ، فتجتَمع كالطَّود الْعَظِيمِ، كَالْجَبَلِ، ثُمَّ يَأْمُرُ بِفِرَاشِهِ فَيُوضَعُ عَلَى أَعْلَى مَكَانٍ مِنْهَا، ثُمَّ يَدْعُو بفَرَس مِنْ ذَوَاتِ الْأَجْنِحَةِ، فَتَرْتَفِعُ [[في ف، أ: "فيرتفع".]] حَتَّى تَصْعَدَ [[في ف، أ: "يصعد".]] عَلَى فِرَاشِهِ، ثُمَّ يَأْمُرُ الرِّيحَ فَتَرْتَفِعُ بِهِ كُل شَرَف دُونَ السَّمَاءِ، وَهُوَ مُطَأْطِئٌ رَأْسَهُ، مَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا تَعْظِيمًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَشُكْرًا لِمَا يَعْلَمُ مِنْ صِغَرِ مَا هُوَ فِيهِ فِي ملك الله تَعَالَى [[في ف، أ: "عز وجل".]] حَتَّى تَضَعَهُ [[في ف: "يضعه".]] . الرِّيحُ حَيْثُ شَاءَ أَنْ تَضَعَهُ [[في ف، أ: "حيث يشاء أن يضعه".]] * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ﴾ أَيْ: فِي الْمَاءِ يَسْتَخْرِجُونَ اللَّآلِئَ [وَغَيْرَ ذَلِكَ. ﴿وَيَعْمَلُونَ عَمَلا دُونَ ذَلِكَ﴾ أَيْ: غَيْرَ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ *] [[زيادة من ف، أ.]] وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ﴾ . [ص: ٣٧، ٣٨] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ﴾ [[في ف: "له".]] أَيْ: يَحْرُسُهُ اللَّهُ أَنْ يَنَالَهُ أَحَدٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ بِسُوءٍ، بَلْ كُلٌّ فِي قَبْضَتِهِ وَتَحْتَ قَهْرِهِ لَا يَتَجَاسَرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى الدُّنُوِّ إِلَيْهِ وَالْقُرْبِ مِنْهُ، بَلْ هُوَ مُحَكَّم [[في ف، أ: "يحكم".]] فِيهِمْ، إِنْ شَاءَ أَطْلَقَ، وَإِنْ شَاءَ حَبَسَ مِنْهُمْ مَنْ يَشَاءُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب