قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ قَالَ: مَنَافِعُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ أَمَّا مَنَافِعُ الْآخِرَةِ فَرِضْوَانُ اللَّهِ، وَأَمَّا مَنَافِعُ الدُّنْيَا فَمَا يُصِيبُونَ مِنْ مَنَافِعِ البُدْن وَالرِّبْحِ [[في ت، ف، أ: "والذبائح".]] وَالتِّجَارَاتِ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ: إِنَّهَا مَنَافِعُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، كَقَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ [فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ] [[زيادة من ف، أ.]] عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ﴾ قَالَ شُعْبَةُ [وهُشَيْم] [[زيادة من ف، أ.]] عَنْ [أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدٍ] [[زيادة من ف، أ.]] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْأَيْامُ الْمَعْلُومَاتُ: أَيْامُ الْعَشْرِ، وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ بِهِ [[صحيح البخاري (٢/٤٥٧) "فتح".]] . وَيُرْوَى مِثْلُهُ عَنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةِ، وَالضَّحَّاكِ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، وَإِبْرَاهِيمِ النَّخعي. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَالْمَشْهُورُ عَنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَة، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُسْلِمٍ البَطِين، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "مَا الْعَمَلُ فِي أَيْامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ" قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: "وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ، يَخْرُجُ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ".
وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ [[صحيح البخاري برقم (٩٦٩) وسنن أبي داود برقم (٢٤٣٨) وسنن الترمذي برقم (٧٥٧) وسنن ابن ماجه برقم (١٧٢٧) .]] . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ. وَفِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَجَابِرٍ.
قُلْتُ: وَقَدْ تَقَصَّيْتُ هَذِهِ الطُّرُقَ، وَأَفْرَدْتُ لَهَا جُزْءًا عَلَى حِدَتِهِ [[سماه: "الأحاديث الواردة في فضل الأيام العشرة من ذي الحجة".]] ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّان، أَنْبَأَنَا أَبُو عَوَانة، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ أَيْامٍ أَعْظَمَ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبَّ إِلَيْهِ العملُ فِيهِنَّ، مِنْ هَذِهِ الْأَيْامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِمْ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ" [[المسند (٢/٧٥) .]] وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، بِنَحْوِهِ [[رواه أبو عوانة -كما في إرواء الغليل (٣٩٨١٣) عن الحافظ ابن حجر- من طريق موسى بن أبي عائشة عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله عنهما.]] . وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيْامِ الْعَشْرِ، فَيُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا [[صحيح البخاري (٢/٤٥٧) "فتح".]] .
وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: إِنَّ هَذَا هُوَ الْعَشْرُ الَّذِي أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ [الْفَجْرِ: ١، ٢] [[المسند (٣/٣٢٧) .]] .
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِنَّهُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ﴾ [الْأَعْرَافِ: ١٤٢] .
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَصُومُ هَذَا الْعَشْرَ [[سنن أبي داود برقم (٢٤٣٧) .]] .
وَهَذَا الْعَشْرُ مُشْتَمِلٌ عَلَى يَوْمِ عَرَفَةَ الَّذِي ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَقَالَ: "أَحْتَسِبْ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْآتِيَةَ" [[صحيح مسلم برقم (١١٦٢) من حديث أبي قتادة رضي الله عنه.]] .
وَيَشْتَمِلُ عَلَى يَوْمِ النَّحْرِ الَّذِي هُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ أَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَيْامِ عِنْدَ اللَّهِ [[رواه أحمد في المسند (٤/٣٥٠) وأبو داود في السنن برقم (١٧٦٥) من حديث عبد الله بن قرط رضي الله عنه.]] .
وَبِالْجُمْلَةِ، فَهَذَا الْعَشْرُ قَدْ قِيلَ: إِنَّهُ أَفْضَلُ أَيْامِ السَّنَةِ، كَمَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ، فَفَضَّلَهُ كَثِيرٌ عَلَى عَشْرِ رَمَضَانَ الْأَخِيرِ؛ لِأَنَّ هَذَا يُشْرَعُ فِيهِ مَا يُشْرَعُ فِي ذَلِكَ، مِنْ صِيَامٍ وَصَلَاةٍ وَصَدَقَةٍ وَغَيْرِهِ، وَيَمْتَازُ هَذَا بِاخْتِصَاصِهِ بِأَدَاءِ فَرْضَ الْحَجِّ فِيهِ.
وَقِيلَ: ذَاكَ أَفْضَلُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ، الَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ.
وَتَوَسَّطَ آخَرُونَ فَقَالُوا: أَيْامُ هَذَا أَفْضَلُ، وَلَيَالِي ذَاكَ أَفْضَلُ. وَبِهَذَا يَجْتَمِعُ شَمْلُ الْأَدِلَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلٌ ثَانٍ فِي الْأَيْامِ الْمَعْلُومَاتِ: قَالَ الْحَكَمُ، عَنْ مِقْسَم، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْأَيْامُ الْمَعْلُومَاتُ: يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةُ أَيْامٍ بَعْدَهُ. وَيُرْوَى هَذَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعي، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ.
قَوْلٌ ثَالِثٌ: قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا علي بن الْمَدِينِيِّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَجْلان، حَدَّثَنِي نَافِعٌ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: الْأَيْامُ الْمَعْلُومَاتُ وَالْمَعْدُودَاتُ هُنَّ جَمِيعُهُنَّ أَرْبَعَةُ أَيْامٍ، فَالْأَيْامُ الْمَعْلُومَاتُ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ، وَالْأَيْامُ الْمَعْدُودَاتُ ثَلَاثَةُ أَيْامِ يَوْمِ النَّحْرِ.
هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَيْهِ، وَقَالَهُ [[في ت: "وقال".]] السُّدِّيُّ: وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَيُعَضِّدُ هَذَا الْقَوْلَ وَالَّذِي قَبْلَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ﴾ يَعْنِي بِهِ: ذِكْرَ اللَّهِ عِنْدَ ذَبْحِهَا.
قَوْلٌ رَابِعٌ: إِنَّهَا يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَيَوْمٌ آخَرُ بَعْدَهُ. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنِي [[في ت، ف: "وقال ابن وهب وحدثني".]] ابْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: الْمَعْلُومَاتُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيْامُ التَّشْرِيقِ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ﴾ يَعْنِي: الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ، كَمَا فَصَّلَهَا تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَأَنَّهَا ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ الْآيَةَ [الْأَنْعَامِ: ١٤٣] .
* * *
وَقَوْلُهُ ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى وُجُوبِ الْأَكْلِ مِنَ الْأَضَاحِيِّ وَهُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ، وَالَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الرُّخْصَةِ أَوِ الِاسْتِحْبَابِ، كَمَا ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا نَحَرَ هَدْيَهُ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَتُطْبَخُ، فَأَكَلَ مِنْ لَحْمِهَا، وَحَسَا مِنْ مَرَقِهَا [[رواه مسلم في صحيحه برقم (١٢١٨) من حديث جابر رضي الله عنه.]] .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: [قَالَ لِي مَالِكٌ: أُحِبُّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا﴾ : قَالَ ابْنُ وَهْبٍ] [[زيادة من ف، أ.]] وَسَأَلْتُ اللَّيْثَ، فَقَالَ لي مثل ذلك.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا﴾ قَالَ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ لَا يَأْكُلُونَ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ فَرُخِّصَ لِلْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ شَاءَ أَكَلَ، وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَأْكُلْ. وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ نَحْوُ ذَلِكَ.
قَالَ هُشَيْم، عَنْ حُصَين، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ ﴿فَكُلُوا مِنْهَا﴾ : هِيَ كَقَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [الْمَائِدَةِ: ٢] ، ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ [[في ت: "قضيتم".]] الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ﴾ [الْجُمُعَةِ: ١٠] .
وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ، وَاسْتَدَلَّ مَنْ نَصَرَ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْأَضَاحِيَّ يُتَصَدَّقُ مِنْهَا بِالنِّصْفِ بِقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ ، فَجَزَّأَهَا نِصْفَيْنِ: نِصْفٌ لِلْمُضَحِّي، وَنِصْفٌ لِلْفُقَرَاءِ.
وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: أَنَّهَا تُجَزَّأُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ: ثُلُثٌ لَهُ، وَثُلُثٌ يُهْدِيهِ، وَثُلُثٌ يَتَصَدَّقُ بِهِ؛ لِقَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الْحَجِّ: ٣٦] وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا عِنْدَهَا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَبِهِ الثِّقَةُ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ ، قَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ الْمُضْطَرُّ الَّذِي عَلَيْهِ الْبُؤْسُ، [وَالْفَقِيرُ] [[زيادة من ف، أ.]] الْمُتَعَفِّفُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الَّذِي لَا يَبْسُطُ يَدَهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ الزّمِن. وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: هُوَ الضَّرِيرُ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ : قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ وَضْعُ [الْإِحْرَامِ] [[زيادة من ف، أ.]] مِنْ حَلْقِ الرَّأْسِ وَلُبْسِ الثِّيَابِ وَقَصِّ الْأَظْفَارِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَهَكَذَا رَوَى عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ، عَنْهُ. وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظي.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ قَالَ: التَّفَثُ: الْمَنَاسِكُ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي: نَحْرَ مَا نَذَرَ مِنْ أَمْرِ البُدن.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ : [[زيادة من ت، ف، أ.]] نَذْرَ الْحَجِّ وَالْهَدْيِ وَمَا نَذَرَ الْإِنْسَانُ مِنْ شَيْءٍ يَكُونُ فِي الْحَجِّ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَة، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ قَالَ: الذَّبَائِحُ.
وَقَالَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ كُلُّ نَذْرٍ إِلَى أَجَلٍ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ ، قَالَ: [حَجَّهُمْ.
وَكَذَا رَوَى الْإِمَامُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ قَالَ:] [[زيادة من ت، ف،أ".]] نَذْرَ الْحَجِّ، فَكُلُّ مَنْ دَخَلَ الْحَجَّ فَعَلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِ: الطواف بالبيت وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَعَرَفَةُ، وَالْمُزْدَلِفَةُ، وَرَمِيُ الْجِمَارِ، عَلَى مَا أُمِرُوا بِهِ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ نَحْوٌ هَذَا.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ : قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: الطَّوَافَ الْوَاجِبَ يَوْمَ النَّحْرِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنِ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَقْرَأُ سُورَةُ الْحَجِّ؟ يَقُولُ [[في ت: "فيقول".]] اللَّهُ: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ ، فَإِنَّ آخِرَ الْمَنَاسِكِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ.
قُلْتُ: وَهَكَذَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَإِنَّهُ لَمَّا رَجَعَ إِلَى مِنَى يَوْمَ النَّحْرِ بَدَأَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، ثُمَّ نَحَرَ هَدْيَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ، ثُمَّ أَفَاضَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ الطَّوَافُ، إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ [[صحيح البخاري برقم (٣٢٩) وصحيح مسلم برقم (١٣٢٨) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.]] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ : فِيهِ مُسْتَدَلٌّ لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ الطَّوَافُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَصْلِ [[في أ: "داخل".]] الْبَيْتِ الَّذِي بَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ، وَإِنْ كَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ أَخْرَجُوهُ مِنَ الْبَيْتِ، حِينَ قَصُرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ؛ وَلِهَذَا طَافَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ وَرَاءِ الحِجْر، وَأَخْبَرَ أَنَّ الْحِجْرَ مِنَ الْبَيْتِ، وَلَمْ يَسْتَلِمِ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُتَمَّمَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ الْعَتِيقَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ:
حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ العَدَني، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجْر، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ ، طَافَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ من وَرَائِهِ [[ورواه ابن مردوية في تفسيره كما في الدر المنثور (٦/٤١) .]] .
وَقَالَ قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [قَالَ] [[زيادة من ف، أ.]] : لِأَنَّهُ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ. وَكَذَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ.
وَعَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا سُمِّيَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ؛ لِأَنَّهُ أُعْتِقَ يَوْمَ الْغَرَقِ زَمَانَ نُوحٍ.
وَقَالَ خَصِيف: إِنَّمَا سُمِّيَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ جَبَّارٌ قَطُّ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيح وَلَيْثٌ عَنْ مُجَاهِدٍ: أُعْتِقَ مِنَ الْجَبَابِرَةِ أَنْ يُسَلَّطُوا عَلَيْهِ. وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: لِأَنَّهُ لَمْ يُرِده أَحَدٌ بِسُوءٍ إِلَّا هَلَكَ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: إِنَّمَا سُمِّيَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَعْتَقَهُ مِنَ الْجَبَابِرَةِ [[تفسير عبد الرزاق (٢/٣٢) .]] .
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، أخبرني اللَّيْثُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّمَا سُمِّيَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ جَبَّارٌ".
وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ النَّجَّارِيِّ [[في ف: "المحاربي".]] ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ، بِهِ [[سنن الترمذي برقم (٣١٧٠) وفيه "هذا حديث حسن صحيح" وأظنه خطأ.]] . وَقَالَ: إِنْ كَانَ صَحِيحًا وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، مُرْسَلًا [[صحيح البخاري برقم (٢٦٥٤) وصحيح مسلم برقم (٨٧) .]] .
{"ayahs_start":28,"ayahs":["لِّیَشۡهَدُوا۟ مَنَـٰفِعَ لَهُمۡ وَیَذۡكُرُوا۟ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِیۤ أَیَّامࣲ مَّعۡلُومَـٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِیمَةِ ٱلۡأَنۡعَـٰمِۖ فَكُلُوا۟ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُوا۟ ٱلۡبَاۤىِٕسَ ٱلۡفَقِیرَ","ثُمَّ لۡیَقۡضُوا۟ تَفَثَهُمۡ وَلۡیُوفُوا۟ نُذُورَهُمۡ وَلۡیَطَّوَّفُوا۟ بِٱلۡبَیۡتِ ٱلۡعَتِیقِ"],"ayah":"لِّیَشۡهَدُوا۟ مَنَـٰفِعَ لَهُمۡ وَیَذۡكُرُوا۟ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِیۤ أَیَّامࣲ مَّعۡلُومَـٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِیمَةِ ٱلۡأَنۡعَـٰمِۖ فَكُلُوا۟ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُوا۟ ٱلۡبَاۤىِٕسَ ٱلۡفَقِیرَ"}