الباحث القرآني

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ لَمْ يَزَل ذبحُ الْمَنَاسِكِ وإراقةُ الدِّمَاءِ عَلَى اسْمِ اللَّهِ مَشْرُوعًا فِي جَمِيعِ الْمِلَلِ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا﴾ قَالَ: عِيدًا. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: ذَبَحًا. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا﴾ ، إِنَّهَا مَكَّةُ، لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لِأُمَّةٍ قَطُّ مَنْسَكًا غَيْرَهَا. [وَقَوْلُهُ] [[زيادة من ف، أ.]] : ﴿لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ﴾ ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، فسمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحهما [[صحيح البخاري برقم (٥٥٥٨) وصحيح مسلم برقم (١٩٦٦) .]] . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا سَلام بْنُ مِسْكِينٍ، عَنْ عَائِذِ اللَّهِ الْمُجَاشِعِيِّ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ -وَهُوَ نُفَيْع بْنُ الْحَارِثِ-عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: قُلْتُ -أَوْ: قَالُوا-: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذِهِ الْأَضَاحِيُّ؟ قَالَ: "سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ". قَالُوا: مَا لَنَا مِنْهَا؟ قَالَ: "بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَسَنَةٌ" قَالُوا: فَالصُّوفُ؟ قَالَ: "بِكُلِّ شَعْرَةٍ مِنَ الصُّوفِ حَسَنَةٌ". وَأَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ ابْنِ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ، مِنْ حَدِيثِ سَلَّامِ بْنِ مِسْكِينٍ، بِهِ [[المسند (٤/٣٦٨) .]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا﴾ أَيْ: مَعْبُودُكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنْ تَنوّعَت شَرَائِعُ الْأَنْبِيَاءِ ونَسخَ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَالْجَمِيعُ يَدْعُونَ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي [[في ت، أ: "يوحى".]] إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [[في ت: "فاعبدوني".]] [الْأَنْبِيَاءِ: ٢٥] . وَلِهَذَا قَالَ: ﴿فَلَهُ أَسْلِمُوا﴾ أَيْ: أَخْلِصُوا وَاسْتَسْلِمُوا لحُكْمه وَطَاعَتِهِ. ﴿وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ﴾ : قَالَ مُجَاهِدٌ: الْمُطْمَئِنِّينَ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ: الْمُتَوَاضِعِينَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْوَجِلِينَ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ أَوْسٍ [[في ت، ف، أ: "إدريس".]] : الْمُخْبِتُونَ [[في ت: "المختبتين".]] : الَّذِينَ لَا يَظلمون، وَإِذَا ظُلموا لَمْ يَنْتَصِرُوا. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: ﴿وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ﴾ قَالَ: الْمُطْمَئِنِّينَ الرَّاضِينَ بِقَضَاءِ اللَّهِ، الْمُسْتَسْلِمِينَ له. وَأَحْسَنُ مَا يُفَسَّرُ بِمَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ أَيْ: خَافَتْ مِنْهُ قلوبُهم، ﴿وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ﴾ أَيْ: مِنَ الْمَصَائِبِ. قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: وَاللَّهِ لَتَصْبِرُنَّ أَوْ لَتَهْلِكُنَّ. ﴿وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ﴾ : قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالْإِضَافَةِ. السبعةَ، وبقيةَ الْعَشْرَةِ أَيْضًا. وَقَرَأَ ابْنُ [[في ت: "أبو".]] السَّمَيْقَع: "والمقيمينَ الصَّلَاةَ" بِالنَّصْبِ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: ﴿وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ﴾ ، وَإِنَّمَا حُذِفَتِ النُّونُ هَاهُنَا تَخْفِيفًا، وَلَوْ حُذِفَتْ لِلْإِضَافَةِ لَوَجَبَ خَفْضُ الصَّلَاةِ، وَلَكِنْ عَلَى سَبِيلِ التَّخْفِيفِ فَنُصِبَتْ. أَيِ: الْمُؤَدِّينَ حَقَّ اللَّهِ فِيمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَدَاءِ فَرَائِضِهِ، ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ أَيْ: وَيُنْفِقُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ طَيِّبِ الرِّزْقِ عَلَى أَهْلِيهِمْ وَأَرِقَّائِهِمْ وَقُرَابَاتِهِمْ، وَفُقَرَائِهِمْ وَمَحَاوِيجِهِمْ، وَيُحْسِنُونَ إِلَى خَلْقِ اللَّهِ مَعَ مُحَافَظَتِهِمْ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ. وَهَذِهِ بِخِلَافِ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ، فَإِنَّهُمْ بِالْعَكْسِ مِنْ هَذَا كُلِّهِ، كَمَا تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي سُورَةِ "بَرَاءَةٌ" [فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ] [[زيادة من ف، أ.]] [[انظر تفسير الآية: ٦٧.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب