الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى مُسَلِّيًا نبيَّه مُحَمَّدًا ﷺ فِي تَكْذِيبِ مَنْ خَالَفَهُ مِنْ قَوْمِهِ: ﴿وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ﴾ إِلَى أَنْ قَالَ [[في ف، أ: "وَعَادٌ وَثَمُودُ. وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ. وَأَصْحَابُ مدين".]] : ﴿وَكُذِّبَ مُوسَى﴾ أَيْ: مَعَ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ وَالدَّلَائِلِ الْوَاضِحَاتِ. ﴿فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ﴾ أَيْ: أَنْظَرْتُهُمْ وَأَخَّرْتُهُمْ، ﴿ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ أَيْ: فَكَيْفَ كَانَ إِنْكَارِي عَلَيْهِمْ، وَمُعَاقَبَتِي لَهُمْ؟! ذَكَرَ بَعْضُ السَّلَفِ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ قَوْلِ فِرْعَوْنَ لِقَوْمِهِ: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى﴾ [النَّازِعَاتِ: ٢٤] ، وَبَيْنَ إِهْلَاكِ اللَّهِ لَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنه قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْه، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود: ١٠٢] [[صحيح البخاري برقم (٤٦٨٦) وصحيح مسلم برقم (٢٥٨٣) .]] . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿فَكَأَيِّنْ [[في ت، ف: "وكأين".]] مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا﴾ أَيْ: كَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْتُهَا ﴿وَهِيَ ظَالِمَةٌ﴾ ] [[زيادة من ف، أ.]] أَيْ: مُكَذِّبَةٌ لِرَسُولِهَا، ﴿فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا﴾ قَالَ الضَّحَّاكُ: سُقُوفُهَا، أَيْ: قَدْ خُرِّبَتْ مَنَازِلُهَا وَتَعَطَّلَتْ حَوَاضِرُهَا. ﴿وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ﴾ أَيْ: لَا يُسْتَقَى مِنْهَا، وَلَا يَرِدُها أَحَدٌ بَعْدَ كَثْرَةِ وَارِدِيهَا وَالِازْدِحَامِ عَلَيْهَا. ﴿وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ قَالَ عِكْرِمَةُ: يَعْنِي المُبَيّض بِالْجِصِّ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَأَبِي المَلِيح، وَالضَّحَّاكِ، نَحْوُ ذَلِكَ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ المُنيف الْمُرْتَفِعُ. وَقَالَ آخَرُونَ: الشَّدِيدُ الْمَنِيعُ الْحَصِينُ. وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مُتَقَارِبَةٌ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهَا، فَإِنَّهُ لَمْ يَحْمِ أَهْلَهُ شِدَّةُ بِنَائِهِ وَلَا ارْتِفَاعُهُ، وَلَا إِحْكَامُهُ وَلَا حَصَانَتُهُ، عَنْ حُلُولِ بَأْسِ اللَّهِ بِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ [النِّسَاءِ: ٧٨] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ﴾ أَيْ: بِأَبْدَانِهِمْ وَبِفِكْرِهِمْ أَيْضًا، وَذَلِكَ كَافٍ، كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ "التَّفَكُّرِ وَالِاعْتِبَارِ": حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سَيَّار، حَدَّثَنَا [[في ت، ف: "ابن".]] جَعْفَرٌ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنْ يَا مُوسَى، اتَّخِذْ نَعْلَيْنِ مِنْ حَدِيدٍ وَعَصًا، ثُمَّ سِحْ فِي الْأَرْضِ، وَاطْلُبِ الْآثَارَ وَالْعِبَرَ، حَتَّى تَتَخَرَّقَ النَّعْلَانِ [[في ت، ف: "تخرق النعال".]] وَتُكْسَرَ الْعَصَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: أحْيِ قَلْبَكَ بِالْمَوَاعِظِ، ونَوِّره بالفِكْر، ومَوِّته بِالزُّهْدِ، وقَوِّه بِالْيَقِينِ، وذَلِّلْهُ بِالْمَوْتِ [[في ت، ف: "بالقرب".]] ، وقرِّره بِالْفَنَاءِ [[في ت، ف: "وتدبره بالثناء".]] ، وبَصِّره فَجَائِعَ [[في ت، ف، أ: "بمجامع".]] الدُّنْيَا، وحَذِّره صولةَ [[في ف: "بصولة".]] الدَّهْرِ وَفُحْشَ تَقَلُّب الْأَيَّامِ، وَاعْرِضْ عَلَيْهِ أَخْبَارَ الْمَاضِينَ، وَذَكِّرْهُ مَا أَصَابَ [[في ت، أ: "وذكره بأم كتاب".]] مَنْ كَانَ قَبْلَهُ، وسِرْ فِي دِيَارِهِمْ وَآثَارِهِمْ، وَانْظُرْ مَا فَعَلُوا، وَأَيْنَ حَلُّوا، وعَمَّ انقَلَبُوا. أَيْ: فَانْظُرُوا [[في ت، ف: "فينظروا".]] مَا حَلَّ بِالْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ مِنَ النِّقَمِ وَالنَّكَالِ [[زيادة من ت، ف، أ.]] ﴿فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا﴾ أَيْ: فَيَعْتَبِرُونَ بِهَا، ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ أَيْ: لَيْسَ الْعَمَى عَمَى الْبَصَرِ، وَإِنَّمَا الْعَمَى عَمَى الْبَصِيرَةِ، وَإِنْ كَانتِ الْقُوَّةُ الْبَاصِرَةُ سَلِيمَةً فَإِنَّهَا لَا تَنْفُذُ إِلَى الْعِبَرِ، وَلَا تَدْرِي مَا الْخَبَرُ. وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ فِي هَذَا الْمَعْنَى -وَهُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ محمد بن سَارَةَ [[في ت، ف، أ: "ابن حبان".]] الْأَنْدَلُسِيُّ الشَّنْتَريني، وَقَدْ كَانَتْ وَفَاتُهُ سَنَةَ سبع عشرة وخمسمائة: يَا مَن يُصيخُ إِلَى دَاعي الشَقَاء، وقَد ... نَادَى بِهِ الناعيَان: الشيبُ والكبَرُ ... إِنْ كُنتَ لَا تَسْمَع الذكْرَى، فَفِيمَ تُرَى ... فِي رَأسك الوَاعيان: السمعُ والبَصَرُ؟ ... ليسَ الأصَمّ وَلَا الأعمَى سوَى رَجُل ... لَمْ يَهْده الهَاديان: العَينُ والأثَرُ ... لَا الدَّهْرُ يَبْقَى وَلا الدُّنْيَا، وَلا الفَلَك الْـ ... أَعْلَى وَلَا النَّيّران: الشَّمْسُ وَالقَمَرُ ... لَيَرْحَلَنّ عَن الدَّنْيَا، وَإن كَرِها [[في ت، ف، أ: "كرهن".]] فرَاقها، الثَّاوِيَانِ: البَدْو والحَضَرُ ...
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب