الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى مُنَبِّهًا لَهُمْ عَلَى مَا أَضَاعُوهُ فِي عُمْرِهِمُ الْقَصِيرِ فِي الدُّنْيَا مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ، وَلَوْ صَبَروا فِي مُدَّةِ الدُّنْيَا الْقَصِيرَةِ لَفَازُوا كَمَا فَازَ أَوْلِيَاؤُهُ الْمُتَّقُونَ، ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرْضِ عَدَدَ سِنِينَ﴾ أَيْ: كَمْ كَانَتْ إِقَامَتُكُمْ فِي الدُّنْيَا؟ ﴿قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ﴾ أَيِ: الْحَاسِبِينَ ﴿قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا﴾ أَيْ: مُدَّةً يَسِيرَةً عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ ﴿لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أَيْ: لَمَا آثَرْتُمُ الْفَانِيَ عَلَى الْبَاقِي، وَلَمَا تَصَرَّفتم لِأَنْفُسِكُمْ هَذَا التَّصَرُّفَ السَّيِّئَ، وَلَا اسْتَحْقَقْتُمْ مِنَ اللَّهِ سُخْطَهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَبَرْتُمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ [[في ف: "على عبادته وطاعته".]] -كَمَا فَعَلَ الْمُؤْمِنُونَ-لَفُزْتُمْ كَمَا فَازُوا. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الوَزير، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، عَنْ أَيْفَعَ بْنِ عَبْدٍ الكَلاعي؛ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَخْطُبُ النَّاسَ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَدْخَلَ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلَ النَّارِ النَّارَ، قَالَ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ؟ قَالُوا: لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ. قَالَ: لَنِعْمَ مَا اتَّجَرْتُمْ فِي يَوْمٍ أَوْ بَعْضِ يَوْمٍ: رَحْمَتِي وَرِضْوَانِي وَجْنَّتِي، امْكُثُوا فِيهَا خَالِدِينَ مُخَلَّدِينَ؟ ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ النَّارِ، كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ؟ قَالُوا: لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ. فَيَقُولُ: بِئْسَ مَا اتَّجَرْتُمْ فِي يَوْمٍ أَوْ بَعْضِ يَوْمٍ: نَارِي وَسُخْطِي، امْكُثُوا فِيهَا خَالِدِينَ مُخَلَّدِينَ" [[ورواه ابن الأثير في أسد الغابة (١/١٨٧) بإسناده إلى الحكم بن موسى عن الوليد عن صفوان به.]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا﴾ أَيْ: أَفَظَنَنْتُمْ أَنَّكُمْ مَخْلُوقُونَ عَبَثًا بِلَا قَصْدٍ وَلَا إِرَادَةٍ مِنْكُمْ وَلَا حِكْمَةٍ لَنَا، ﴿وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ أَيْ: لَا تَعُودُونَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ: ﴿أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾ [الْقِيَامَةِ: ٣٦] ، يَعْنِي هَمَلًا [[في أ: "مهملا".]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ﴾ أَيْ: تقدَّس أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا عَبَثًا، فَإِنَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ الْمُنَزَّهُ عَنْ ذَلِكَ، ﴿لَا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾ ، فَذَكَرَ الْعَرْشَ؛ لِأَنَّهُ سَقْفُ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَوَصَفَهُ بِأَنَّهُ كَرِيمٌ، أَيْ: حَسَنُ الْمَنْظَرِ بَهِيُّ الشَّكْلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾ [لُقْمَانَ: ١٠] . قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسيّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ -شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ-أَنْبَأَنَا شُعَيْبُ بْنُ صَفْوَانَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ سعيد بن العاص قال: كَانَ آخِرُ خُطْبَةٍ خَطَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّكُمْ لَمْ تُخْلَقُوا عَبَثًا، وَلَنْ [[في ف: "ولم".]] تُتْرَكُوا سُدًى، وَإِنَّ لَكُمْ مَعَادًا يَنْزِلُ اللَّهُ فِيهِ لِلْحُكْمِ بَيْنَكُمْ وَالْفَصْلِ بَيْنَكُمْ، فَخَابَ وَخَسِرَ مَن خَرَجَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَحُرِمَ جنة عرضها السموات وَالْأَرْضُ، أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّهُ لَا يَأْمَنُ غَدًا إِلَّا مَنْ حَذِرَ هَذَا الْيَوْمَ وَخَافَهُ، وَبَاعَ نَافِدًا بِبَاقٍ، وَقَلِيلًا بِكَثِيرٍ، وَخَوْفًا بِأَمَانٍ، أَلَا تَرَوْنَ أَنَّكُمْ مِنْ أَصْلَابِ الْهَالِكِينَ، وَسَيَكُونُ مِنْ بَعْدِكُمُ الْبَاقِينَ، حَتَّى تُرَدُّونَ [[في ف: "حين تردوا".]] إِلَى خَيْرِ الْوَارِثِينَ؟ ثُمَّ إِنَّكُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ تُشَيّعون غَادِيًا وَرَائِحًا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَدْ قَضَى نَحْبَهُ، وَانقَضَى أَجْلُهُ، حَتَّى تُغَيِّبُوهُ فِي صَدْع مِنَ الْأَرْضِ، فِي بَطْنِ صَدْعٍ غَيْرِ مُمَهَّدٍ وَلَا مُوَسَّدٍ، قَدْ فَارَقَ الْأَحْبَابَ وَبَاشَرَ التُّرَابَ، وَوَاجَهَ الْحِسَابَ، مُرْتَهَن بِعَمَلِهِ، غَنِيٌّ عَمَّا تَرَكَ، فَقِيرٌ إِلَى مَا قَدَّمَ. فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ قَبْلَ انقِضَاءِ مَوَاثِيقِهِ، وَنُزُولِ الْمَوْتِ بِكُمْ ثُمَّ جَعَلَ طَرَفَ رِدَائِهِ عَلَى وَجْهِهِ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ نَصْرٍ [[في أ: "نصير".]] الخَوْلاني، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْب، أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَة، عَنْ أَبِي هُبَيْرَةَ عَنْ حَنَش [[في ف: "حسن".]] بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؛ أَنَّ رَجُلًا مُصَابًا مرَّ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، فَقَرَأَ فِي أُذُنِهِ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ﴾ ، حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ فَبَرَأ، [فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ] [[زيادة من ف، أ.]] ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "بِمَاذَا قَرَأْتَ فِي أُذُنِهِ؟ " فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ رَجُلًا مُوقنا قَرَأَهَا عَلَى جَبَل لَزَالَ". وَرَوَى أَبُو [[في ف: "ابن".]] نُعَيم مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ نِزَارٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدر، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي سَرَِّية، وَأَمَرَنَا أَنْ نَقُولَ إِذَا نَحْنُ أَمْسَيْنَا وَأَصْبَحْنَا: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ ، قَالَ: فَقَرَأْنَاهَا فَغَنِمْنَا وَسَلِمْنَا [[معرفة الصحابة لأبي نعيم برقم (٧٢٦) .]] . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ وَهْبٍ الْعَلَّافُ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو المُسَيَّب سَلَمَةُ بْنُ سَلَامٍ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ خُنَيْس [[في ف: "حبيش".]] ، عَنْ نَهْشَل بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِم، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: "أَمَانٌ لِأُمَّتِي مِنَ الْغَرَقِ إِذَا رَكِبُوا فِي السُّفُنِ: بِسْمِ اللَّهِ الْمَلِكِ الْحَقِّ، ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الزمر: ٦٧] ، ﴿بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [هود: ٤١] . [[ورواه الطبراني في المعجم الكبير (١٢/١٢٤) وفي كتاب الدعاء برقم (٨٠٤) من طرق عن عبد الحميد الهلالي، عن نهشل به، وقال الهيثمي في المجمع (١٠/١٣٢) : "نهشل بن سعيد متروك".]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب