يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ نُوحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ دَعَا رَبَّهُ يَسْتَنْصِرُهُ عَلَى قَوْمِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا [عَنْهُ] [[زيادة من ف، أ.]] فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾ [الْقَمَرِ: ١٠] ، وَقَالَ هَاهُنَا: ﴿ [قَالَ] [[زيادة من أ.]] رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ﴾ فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِصَنْعَةِ السَّفِينَةِ وَإِحْكَامِهَا وَإِتْقَانِهَا، وَأَنْ يَحْمِلَ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ، أَيْ: ذَكَرًا وَأُنْثَى مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنَ الْحَيَوَاناتِ وَالنَّبَاتَاتِ وَالثِّمَارِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَنْ يَحْمِلَ فِيهَا أَهْلَهُ ﴿إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾ أَيْ: سَبَقَ فِيهِ الْقَوْلُ مِنَ اللَّهِ بِالْهَلَاكِ، وَهُمُ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ مِنْ أَهْلِهِ، كَابْنِهِ وَزَوْجَتِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ﴾ أَيْ: عِنْدَ مُعَايَنَةِ إِنْزَالِ الْمَطَرِ الْعَظِيمِ، لَا تَأْخُذَنَّكَ رَأْفَةٌ بِقَوْمِكَ، وَشَفَقَةٌ عَلَيْهِمْ، وطَمَع فِي تَأْخِيرِهِمْ لَعَلَّهُمْ يُؤْمِنُونَ، فَإِنِّي قَدْ قَضَيْتُ أَنَّهُمْ مُغْرَقُونَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالطُّغْيَانِ. وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْقِصَّةُ مَبْسُوطَةً فِي سُورَةِ "هُودٍ" [[انظر تفسير الآيات: ٢٥-٤٨.]] بِمَا يُغْنِي عَنْ إِعَادَةِ ذَلِكَ هَاهُنَا.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ ، كَمَا قَالَ: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ. لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ. وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ﴾ [الزُّخْرُفِ: ١٢-١٤] . وَقَدِ امْتَثَلَ نُوحٌ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، هَذَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا﴾ [هُودٍ:٤١] . فذَكَر اللهَ تَعَالَى عِنْدَ ابْتِدَاءِ سَيْرِهِ وَعِنْدَ انْتِهَائِهِ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَنزلْنِي مُنزلا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنزلِينَ﴾ .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ﴾ أَيْ: إِنَّ فِي هَذَا الصَّنِيعِ -وَهُوَ إِنْجَاءُ المؤمنين وإهلاك الكافرين- ﴿لآيَاتٍ﴾ أَيْ: لَحُجَجًا [[في ف، أ: "لحجج".]] وَدَلَالَاتٍ وَاضِحَاتٍ عَلَى صِدْقِ الْأَنْبِيَاءِ فِيمَا جَاءُوا بِهِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ تَعَالَى فَاعِلٌ لِمَا يَشَاءُ، وَقَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، عَلِيمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ﴾ أَيْ: لَمُخْتَبِرِينَ لِلْعِبَادِ بِإِرْسَالِ الْمُرْسَلِينَ.
{"ayahs_start":26,"ayahs":["قَالَ رَبِّ ٱنصُرۡنِی بِمَا كَذَّبُونِ","فَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡهِ أَنِ ٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡیُنِنَا وَوَحۡیِنَا فَإِذَا جَاۤءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ فَٱسۡلُكۡ فِیهَا مِن كُلࣲّ زَوۡجَیۡنِ ٱثۡنَیۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَیۡهِ ٱلۡقَوۡلُ مِنۡهُمۡۖ وَلَا تُخَـٰطِبۡنِی فِی ٱلَّذِینَ ظَلَمُوۤا۟ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ","فَإِذَا ٱسۡتَوَیۡتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلۡفُلۡكِ فَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِی نَجَّىٰنَا مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِینَ","وَقُل رَّبِّ أَنزِلۡنِی مُنزَلࣰا مُّبَارَكࣰا وَأَنتَ خَیۡرُ ٱلۡمُنزِلِینَ","إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ وَإِن كُنَّا لَمُبۡتَلِینَ"],"ayah":"قَالَ رَبِّ ٱنصُرۡنِی بِمَا كَذَّبُونِ"}