الباحث القرآني

وَهَذَا إِخْبَارٌ مِنَ [اللَّهِ تَعَالَى عَنْ] [[زيادة من ف، أ.]] عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ هُودٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ دَعَا قَوْمَهُ عَادًا، وَكَانُوا قَوْمًا يَسْكُنُونَ الْأَحْقَافَ، وَهِيَ: جِبَالُ الرَّمَلِ قَرِيبًا مِنْ بِلَادِ حَضْرَمَوْتَ مُتَاخِمَةً [[في ف: "متخمة".]] لِبِلَادِ الْيَمَنِ، وَكَانَ زَمَانُهُمْ بَعْدَ قَوْمِ نُوحٍ، [كَمَا قَالَ فِي "سُورَةِ الْأَعْرَافِ": ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ] [[زيادة من ف، أ.]] وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً﴾ [الْأَعْرَافِ:٦٩] وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي غَايَةٍ مِنْ قُوَّةِ التَّرْكِيبِ، وَالْقُوَّةِ وَالْبَطْشِ الشَّدِيدِ، وَالطُّولِ الْمَدِيدِ، وَالْأَرْزَاقِ الدَّارَّةِ، وَالْأَمْوَالِ وَالْجَنَّاتِ [[في أ: "والجنان".]] وَالْعُيُونِ، وَالْأَبْنَاءِ وَالزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ، وَكَانُوا مَعَ ذَلِكَ يَعْبُدُونَ غَيْرَ اللَّهِ مَعَهُ، فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْهُمْ رَسُولَا وَبَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ، وَحَذَّرَهُمْ نِقْمَتَهُ وَعَذَابَهُ فِي مُخَالَفَتِهِ، فَقَالَ لَهُمْ كَمَا قَالَ نُوحٌ لِقَوْمِهِ، إِلَى أَنْ قَالَ: ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ﴾ ، اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الرِّيعِ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّهُ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ عِنْدَ جَوَادِّ الطُّرُقِ الْمَشْهُورَةِ. تَبْنُونَ هُنَاكَ بِنَاءً مُحْكَمًا بَاهِرًا هَائِلًا؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً﴾ أَيْ: مَعْلَمًا بِنَاءً مَشْهُورًا، تَعْبَثُونَ، وَإِنَّمَا تَفْعَلُونَ ذَلِكَ عَبَثًا لَا لِلِاحْتِيَاجِ إِلَيْهِ؛ بَلْ لِمُجَرَّدِ اللَّعِبِ وَاللَّهْوِ وَإِظْهَارِ الْقُوَّةِ؛ وَلِهَذَا أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ نَبِيُّهُمْ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَضْيِيعٌ لِلزَّمَانِ وَإِتْعَابٌ لِلْأَبْدَانِ فِي غَيْرِ فَائِدَةٍ، وَاشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُجْدِي فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ. ثُمَّ قَالَ: ﴿وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾ . قَالَ مُجَاهِدٌ: الْمَصَانِعُ: الْبُرُوجُ الْمُشَيَّدَةُ، وَالْبُنْيَانُ الْمُخَلَّدُ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: بروج الحمام. وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ مَأْخَذُ الْمَاءِ. قَالَ قَتَادَةُ: وَقَرَأَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ [[في ف: "الكوفيين".]] : وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ كَأَنَّكُمْ خَالِدُونَ". وَفِي الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ: ﴿لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾ أَيْ: لِكَيْ تُقِيمُوا فِيهَا أَبَدًا، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِحَاصِلٍ لَكُمْ، بَلْ زَائِلٌ عَنْكُمْ، كَمَا زَالَ عَمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَجْلان، حَدَّثَنِي عَوْن بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَمَّا رَأَى مَا أَحْدَثَ الْمُسْلِمُونَ فِي الغُوطة مِنَ الْبُنْيَانِ وَنَصْبِ الشَّجَرِ، قَامَ فِي مَسْجِدِهِمْ فَنَادَى: يَا أَهْلَ دِمَشْقَ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا تَسْتَحْيُونَ! أَلَا تَسْتَحْيُونَ! تَجْمَعُونَ مَا لَا تَأْكُلُونَ، وَتَبْنُونَ مَا لَا تَسْكُنُونَ، وَتَأْمُلُونَ مَا لَا تُدْرِكُونَ، إِنَّهُ كَانَتْ قَبْلَكُمْ [[في ف: "قد كانت قبلكم" وفي أ: "قد كانت لكم".]] قُرُونٌ، يَجْمَعُونَ فَيُرْعُونَ، وَيَبْنُونَ فَيُوثِقُونَ [[في أ: "فيوبقون".]] ، وَيَأْمُلُونَ فَيُطِيلُونَ، فَأَصْبَحَ أَمَلُهُمْ غُرُورًا، وَأَصْبَحَ جَمْعُهُمْ بُورًا، وَأَصْبَحَتْ مَسَاكِنُهُمْ [[في ف: "منازلهم".]] قُبُورًا، أَلَا إِنَّ عَادًا مَلَكَتْ مَا بَيْنَ عَدَنَ وَعُمَانَ خَيْلًا وَرِكَابًا، فَمَنْ يَشْتَرِي مِنِّي مِيرَاثَ عَادٍ بِدِرْهَمَيْنِ؟. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾ وَصَفَهُمْ بِالْقُوَّةِ وَالْغِلْظَةِ وَالْجَبَرُوتِ. ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ أَيِ: اعْبُدُوا رَبَّكُمْ، وَأَطِيعُوا رَسُولَكُمْ. ثُمَّ شَرَعَ يُذَكِّرُهُمْ نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: ﴿وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ. أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ. وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ أَيْ: إِنْ كَذَّبْتُمْ وَخَالَفْتُمْ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ بِالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، فَمَا نَفَعَ فِيهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب