الباحث القرآني

وَهَذَا سُؤَالٌ مِنْ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنْ يُؤْتِيَهُ رَبُّهُ حُكْما. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَهُوَ الْعِلْمُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ اللُّبُّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الْقُرْآنُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: هُوَ النُّبُوَّةُ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ أَيْ: اجْعَلْنِي مَعَ [[في أ "من".]] الصَّالِحِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ: " [اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى" قَالَهَا ثَلَاثًا [[رواه البخاري في صحيحه برقم (٦٥٠٩) ومسلم في صحيحه برقم (٢١٩١) من حديث عائشة، رضي الله عنها، وليس عندهما أنه قالها ثلاثا، وإنما فيهما ما يفيد أنها مرتين، والله أعلم.]] . وَفِي الْحَدِيثِ فِي الدُّعَاءِ] [[زيادة من ف، أ.]] : اللَّهُمَّ أَحْيِنَا مُسْلِمِينَ وَأَمِتْنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحَقْنَا بِالصَّالِحِينَ، غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مُبْدِّلَيْنِ" [[رواه أحمد في مسنده (٣/٤٢٤) من حديث الزرقي، وعنده: "غير خزايا ولا مفتونين".]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ﴾ أَيْ: وَاجْعَلْ لِي ذِكْرًا جَمِيلًا بَعْدِي أذكرَ بِهِ، وَيُقْتَدَى بِي فِي الْخَيْرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ. سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ [الصَّافَّاتِ:١٠٨-١١٠] . قَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ: ﴿وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ﴾ يَعْنِي: الثَّنَاءَ الْحَسَنَ. قَالَ مُجَاهِدٌ: وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ:٢٧] ، وَكَقَوْلِهِ: ﴿وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [النَّحْلِ:١٢٢] . قَالَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ: كُلُّ مِلَّةٍ تُحِبُّهُ وَتَتَوَلَّاهُ. وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ﴾ أَيْ: أَنْعِمْ عَليَّ فِي الدُّنْيَا بِبَقَاءِ الذِّكْرِ الْجَمِيلِ بَعْدِي، وَفِي الْآخِرَةِ بِأَنْ تَجْعَلَنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَاغْفِرْ لأبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ﴾ كَقَوْلِهِ: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ﴾ [إِبْرَاهِيمَ:٤١] ، وَهَذَا مِمَّا رجَعَ عَنْهُ إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ [التوبة:١١٤] . وَقَدْ قَطَعَ [اللَّهُ] [[زيادة من ف، أ.]] تَعَالَى الْإِلْحَاقَ فِي اسْتِغْفَارِهِ لِأَبِيهِ، فَقَالَ: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ لأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الْمُمْتَحِنَةِ:٤] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ﴾ أَيْ: أَجِرْنِي مِنَ الْخِزْيِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ [يَوْمَ] [[زيادة من ف، أ.]] يُبْعَثُ الْخَلَائِقُ أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمْ. قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ﴾ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ رَأَى أَبَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ الغَبَرَةُ والقَتَرَةُ" [[صحيح البخاري برقم (٤٧٦٨) .]] . حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أَخِي، عَنِ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنَّكَ لَا تُخْزِينِي [[في ف، أ: "أن لا تخزني".]] يَوْمَ يُبْعَثُونَ. فَيَقُولُ اللَّهُ: إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ". هَكَذَا رَوَاهُ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ [[صحيح البخاري برقم (٤٧٦٩) ولفظه: "وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون".]] . وَفِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِعَيْنِهِ مُنْفَرِدًا بِهِ، وَلَفْظُهُ: يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وغَبَرة، فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ: لَا تَعْصِنِي [[في ف: "لا تعصيني".]] فَيَقُولُ أَبُوهُ [[في ف: "أباه" وهو خطأ.]] : فَالْيَوْمَ لَا أَعْصِيكَ. فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ، إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَلَّا تُخْزِينِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الْأَبْعَدِ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ. ثُمَّ يُقال: يَا إِبْرَاهِيمُ، مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ؟ فَيَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ بِذَبْحٍ مُتَلَطِّخٍ، فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ [[صحيح البخاري برقم (٣٣٥٠) .]] . وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ فِي التَّفْسِيرِ مَنْ سُنَنِهِ الْكَبِيرِ قَوْلُهُ: ﴿وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ﴾ : أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصِ [[في ف: "جعفر".]] بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، حدَّثني أَبِي، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَان، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المقبرِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ رَأَى أَبَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ الغَبَرة والقَتَرة، وَقَالَ [[في ف: "فقال".]] لَهُ: قَدْ نَهَيْتُكَ عَنْ هَذَا فَعَصَيْتَنِي. قَالَ: لَكِنِّي الْيَوْمَ لَا أَعْصِيكَ وَاحِدَةً. قَالَ: يَا رَبِّ، وَعَدْتَنِي أَنْ لَا تُخْزِينِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَإِنْ [[في أ: "فأي".]] أَخْزَيْتَ أَبَاهُ فَقَدْ أَخْزَيْتَ الْأَبْعَدَ. قَالَ: يَا إِبْرَاهِيمُ، إِنِّي [[في أ: "فإني".]] حَرَّمْتُهَا عَلَى الْكَافِرِينَ. فَأُخِذَ مِنْهُ، قَالَ: يَا إِبْرَاهِيمُ، أَيْنَ أَبُوكَ؟ قَالَ: أَنْتَ أَخَذْتَهُ مِنِّي. قَالَ: انْظُرْ أَسْفَلَ مِنْكَ. فَنَظَرَ [[في ف، أ: "فينظر".]] فَإِذَا ذِيخٌ يَتَمَرَّغُ [[في ف: "متمرغ".]] فِي نَتَنِهِ، فَأُخِذَ بقوائمه فألقي في النار [[النسائي في السنن الكبرى برقم (١١٣٧٥) .]] . هَذَا إِسْنَادٌ [[في ف: "سياق".]] غَرِيبٌ، وَفِيهِ نَكَارَةٌ. وَالذِّيخُ [[في أ: "والذابح".]] : هُوَ الذَّكَرُ مِنَ الضِّبَاعِ، كَأَنَّهُ حَوَّلَ آزَرَ إِلَى صُورَةِ ذِيخٍ مُتَلَطِّخٍ بِعُذْرَتِهِ [[في أ: "بقذرته".]] ، فَيُلْقَى فِي النَّارِ كَذَلِكَ. وَقَدْ رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيرة، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وَفِيهِ غَرَابَةٌ. وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِنَحْوِهِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ﴾ أَيْ: لَا يَقِي الْمَرْءَ [[أ: "المؤمن".]] مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مَالُهُ، وَلَوِ افْتَدَى بِمِلْءِ الْأَرْضِ ذَهَبًا: ﴿وَلا بَنُونَ﴾ وَلَوِ افْتَدَى بِمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا، وَلَا ينفعُ يَوْمئِذٍ إِلَّا الإيمانُ بِاللَّهِ، وَإِخْلَاصُ الدِّينِ لَهُ، وَالتَّبَرِّي مِنَ الشِّرْكِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ أَيْ: سَالِمٍ مِنَ الدَّنَسِ وَالشَّرْكِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: الْقَلْبُ السَّلِيمُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ حَيِي [[في ف، أ: "يعني".]] يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَغَيْرُهُمَا: ﴿بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ يَعْنِي: مِنَ الشِّرْكِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: الْقَلْبُ السَّلِيمُ: هُوَ الْقَلْبُ الصَّحِيحُ، وَهُوَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ؛ لِأَنَّ قَلْبَ [الْكَافِرِ وَ] [[زيادة من ف، أ.]] الْمُنَافِقِ مَرِيضٌ، قَالَ اللَّهُ: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ [الْبَقَرَةِ:١٠] . وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّيْسَابُورِيُّ: هُوَ الْقَلْبُ الْخَالِي مِنَ الْبِدْعَةِ، الْمُطْمَئِنُّ إِلَى السُّنَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب