الباحث القرآني

لَمَّا قَرَأَتْ عَلَيْهِمْ كِتَابَ سُلَيْمَانَ اسْتِشَارَتْهُمْ فِي أَمْرِهَا، وَمَا قَدْ نَزَلَ بِهَا؛ وَلِهَذَا قَالَتْ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ﴾ أَيْ: حَتَّى تَحْضُرُونَ وَتُشِيرُونَ. ﴿قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ أَيْ: مَنوا إِلَيْهَا بعَدَدهم وَعَدَدِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ، ثُمَّ فَوَّضُوا إِلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْأَمْرَ فَقَالُوا: ﴿وَالأمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ﴾ أَيْ: نَحْنُ لَيْسَ لَنَا عَاقَةٌ [وَلَا بِنَا بَأْسٌ، إِنْ شِئْتِ أَنْ تَقْصِدِيهِ وَتُحَارِبِيهِ، فَمَا لَنَا عَاقَةٌ] [[زيادة من ف، أ.]] عَنْهُ. وَبَعْدَ هَذَا فَالْأَمْرُ [[في أ: "وبعدها فالأمر".]] إِلَيْكِ، مُرِي فِينَا بِرَأْيِكِ [[في ف: "رأيك".]] نَمْتَثِلُهُ وَنُطِيعُهُ. قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: فَوَّضُوا أَمْرَهُمْ إِلَى عِلْجة تَضْطَرِبُ ثَدْيَاهَا، فَلَمَّا قَالُوا لَهَا مَا قَالُوا، كَانَتْ هِيَ أَحْزَمَ رَأْيًا مِنْهُمْ، وَأَعْلَمَ بِأَمْرِ سُلَيْمَانَ، وَأَنَّهُ [[في ف: "وأنها".]] لَا قِبَلَ لَهَا بِجُنُودِهِ وَجُيُوشِهِ، وَمَا سُخّر لَهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ، وَقَدْ شاهَدَت مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ مَعَ الْهُدْهُدِ أَمْرًا عَجِيبًا بَدِيعًا، فَقَالَتْ لَهُمْ: إِنِّي أَخْشَى أَنْ نُحَارِبَهُ وَنَمْتَنِعَ عَلَيْهِ، فَيَقْصِدَنَا بِجُنُودِهِ، وَيُهْلِكَنَا بِمَنْ مَعَهُ، وَيَخْلُصَ إِلَيَّ وَإِلَيْكُمُ الْهَلَاكُ وَالدَّمَارُ دُونَ غَيْرِنَا؛ وَلِهَذَا قَالَتْ: ﴿إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا﴾ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ إِذَا دَخَلُوا بَلَدًا [[في أ: "بلدة".]] عنْوَة أَفْسَدُوهُ، أَيْ: خَرّبوه، ﴿وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً﴾ أَيْ: وَقَصَدُوا مَنْ فِيهَا مِنَ الْوُلَاةِ وَالْجُنُودِ، فَأَهَانُوهُمْ غَايَةَ الْهَوَانِ، إِمَّا بِالْقَتْلِ أَوْ بِالْأَسْرِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَتْ بِلْقِيسُ: ﴿إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً﴾ [[في ف، أ: "أذلة وكذلك يفعلون".]] ، قَالَ الرَّبَّ، عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ . ثُمَّ عَدَلَتْ إِلَى الْمُهَادَنَةِ وَالْمُصَالَحَةِ وَالْمُسَالَمَةِ وَالْمُخَادَعَةِ وَالْمُصَانَعَةِ، فَقَالَتْ: ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾ أَيْ: سَأَبْعَثُ إِلَيْهِ بِهَدِيَّةٍ تَلِيقُ بِهِ [[في ف: "بمثله".]] وَأَنْظُرُ مَاذَا يَكُونُ جَوَابُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَعَلَّهُ يَقْبَلُ ذَلِكَ وَيَكُفُّ عَنَّا، أَوْ يَضْرِبُ عَلَيْنَا خَرَاجا نَحْمِلُهُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ عَامٍ، وَنَلْتَزِمُ لَهُ بِذَلِكَ وَيَتْرُكُ قِتَالَنَا وَمُحَارَبَتَنَا. قَالَ قَتَادَةُ: رَحِمَهَا اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهَا، مَا كَانَ أَعْقَلَهَا فِي إِسْلَامِهَا وَفِي شِرْكِهَا!! عَلِمَتْ أَنَّ الْهَدِيَّةَ تَقَعُ مَوْقِعًا مِنَ النَّاسِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: قَالَتْ لِقَوْمِهَا: إِنْ قَبِلَ الْهَدِيَّةَ فَهُوَ مَلِكٌ فَقَاتِلُوهُ، وَإِنْ لم يقبلها فهو نبي فاتبعوه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب