الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا رَسُولَهُ ﷺ أَنْ يَقُولَ مُعَلِّمًا لِجَمِيعِ الْخَلْقِ: أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ. وَقَوْلُهُ: ﴿إِلا اللَّهَ﴾ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، أَيْ: لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ ذَلِكَ إِلَّا اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِذَلِكَ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، كَمَا قَالَ: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ﴾ الْآيَةَ [الْأَنْعَامِ: ٥٩] ، وَقَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [لُقْمَانَ: ٣٤] ، وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ أَيْ: وَمَا يَشْعُرُ الْخَلَائِقُ السَّاكِنُونَ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ بِوَقْتِ السَّاعَةِ، كَمَا قَالَ: ﴿ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً﴾ [الْأَعْرَافِ: ١٨٧] ، أَيْ: ثَقُلَ عِلْمُهَا عَلَى أَهْلِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الجَعْد، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عن مسروق، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَعْلَمُ -يَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ -مَا يَكُونُ فِي غَدٍ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الفِرْية؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ﴾ [[أصله في الصحيحين لكن فيهما الشاهد قوله تعالى: (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا) بدل هذه الآية: (قل لا يعلم من في السموات) .]] . وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ هَذِهِ النُّجُومَ لِثَلَاثِ خَصَلَاتٍ [[في ف، أ: "خصال".]] : جَعَلَهَا زِينَةً لِلسَّمَاءِ، وَجَعَلَهَا يُهْتَدَى بِهَا، وَجَعَلَهَا رُجُومًا [لِلشَّيَاطِينِ] [[زيادة من ف، أ.]] ، فَمَنْ تَعَاطَى فِيهَا غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ بِرَأْيِهِ، وَأَخْطَأَ حَظَّهُ، وَأَضَاعَ نَصِيبَهُ وتكلَّف مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ. وَإِنَّ نَاسًا جَهَلَة بِأَمْرِ اللَّهِ، قَدْ [[في ف، أ: "فقد".]] أَحْدَثُوا مِنْ هَذِهِ النُّجُومِ كِهَانَةً: مَنْ أعْرَس بِنَجْمِ كَذَا وَكَذَا، كَانَ كَذَا وَكَذَا. ومَنْ سَافَرَ بِنَجْمِ كَذَا وَكَذَا، كَانَ كَذَا وَكَذَا. ومَنْ وُلِدَ بِنَجْمِ كَذَا وَكَذَا، كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَعَمْرِي مَا مِنْ نَجْمٍ إِلَّا يُولَدُ بِهِ الْأَحْمَرُ وَالْأَسْوَدُ، وَالْقَصِيرُ وَالطَّوِيلُ، وَالْحَسَنُ وَالدَّمِيمُ، وَمَا علْمُ هَذَا النَّجْمِ وَهَذِهِ الدَّابَّةِ وَهَذَا الطَّيْرِ بِشَيْءٍ مِنَ الْغَيْبِ! وَقَضَى اللَّهُ: أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ، وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ بِحُرُوفِهِ، وَهُوَ كَلَامٌ جَلِيلٌ مَتِينٌ صَحِيحٌ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿بَلِ ادَّارَكَ [[في أ: "أدرك".]] عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا﴾ أَيِ: انْتَهَى عِلْمُهُمْ وَعَجَزَ عَنْ مَعْرِفَةِ وَقْتِهَا. وَقَرَأَ آخَرُونَ: "بَلْ أَدْرَكَ [[في أ: "ادارك".]] عِلْمُهُمْ"، أَيْ: تَسَاوَى عِلْمُهُمْ فِي ذَلِكَ، كَمَا فِي الصَّحِيحِ لِمُسْلِمٍ: أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لِجِبْرِيلَ -وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ السَّاعَةِ -مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ [[صحيح مسلم برقم (٨) .]] أَيْ: تَسَاوَى فِي الْعَجْزِ عَنْ دَرْك ذَلِكَ عِلْمُ الْمَسْؤُولِ والسائل. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عباس: ﴿بَلِ ادَّرَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَة﴾ أَيْ: غَابَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿بَلِ ادَّارَكَ [[في أ: "أدرك".]] عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ﴾ يَعْنِي: يُجَهِّلهم [[في أ: "بجهلهم".]] رَبُّهُمْ، يَقُولُ: لَمْ يَنْفُذْ [[في ف: "يتقدم".]] لَهُمْ إِلَى الْآخِرَةِ عِلْمٌ، هَذَا قَوْلٌ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيج، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "بَلْ أدْرَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ" حِينَ لَمْ يَنْفَعِ الْعِلْمُ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، وَالسُّدِّيُّ: أَنَّ عِلْمَهُمْ إِنَّمَا يُدرك وَيَكْمُلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَيْثُ لَا يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [مَرْيَمَ: ٣٨] . وَقَالَ سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: "بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ" قَالَ: اضْمَحَلَّ عِلْمُهُمْ فِي الدُّنْيَا، حِينَ عَايَنُوا الْآخِرَةَ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا﴾ عَائِدٌ عَلَى الْجِنْسِ، وَالْمُرَادُ الْكَافِرُونَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا﴾ [الْكَهْفِ: ٤٨] أَيِ: الْكَافِرُونَ مِنْكُمْ. [[في ف، أ: "منهم".]] وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا: ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا﴾ أَيْ: شاكُّون فِي وُجُودِهَا وَوُقُوعِهَا، ﴿بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ﴾ أَيْ: فِي عمَاية وَجَهْلٍ كَبِيرٍ فِي أَمْرِهَا وَشَأْنِهَا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب