الباحث القرآني

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ هَوْلِ يَوْمِ نَفْخَةِ الفَزَع فِي الصُّور، وَهُوَ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ". وَفِي حَدِيثِ (الصُّور) أَنَّ إِسْرَافِيلَ هُوَ الَّذِي يَنْفُخُ فِيهِ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَنْفُخُ فِيهِ أَوَّلًا نَفْخَةَ الْفَزَعِ وَيُطَوِّلُهَا، وَذَلِكَ فِي آخِرِ عُمْرِ الدُّنْيَا، حِينَ تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى شَرَارِ النَّاسِ مِنَ الْأَحْيَاءِ، فَيَفْزَعُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ ومَنْ فِي الْأَرْضِ ﴿إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ ، وَهُمُ الشُّهَدَاءُ، فَإِنَّهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. قَالَ الْإِمَامُ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ: حَدَّثَنَا عُبَيد اللَّهِ [[في أ: "عبد الله".]] بْنِ مُعاذ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ: سَمِعْتُ يَعْقُوبَ بْنَ عَاصِمِ بْنِ عُرْوَة بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ، سَمِعْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: مَا هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي تَحدث إِنَّ السَّاعَةَ تَقُومُ إِلَى كَذَا وَكَذَا؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ -أَوْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ -أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهُمَا -لَقَدْ هَمَمْتُ أَلَّا أُحَدِّثَ أَحَدًا شَيْئًا أَبَدًا، إِنَّمَا قُلْتُ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدَ قَلِيلٍ أَمْرًا عَظِيمًا يُخَرِّبُ الْبَيْتُ، وَيَكُونُ وَيَكُونُ. ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أُمَّتِي فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ -[لَا أَدْرِي أَرْبَعِينَ] [[زيادة من ف، أ، وصحيح مسلم.]] يَوْمًا، أَوْ أَرْبَعِينَ شَهْرًا، أَوْ أَرْبَعِينَ عَامًا -فَيَبْعَثُ الله عيسى بن مَرْيَمَ كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ. ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ، لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ رِيحًا بَارِدَةً مِنْ قِبَلِ الشَّامِ، فَلَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ إِيمَانٍ إِلَّا قَبَضَتْهُ، حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ دَخَلَ فِي كَبَدِ جَبَلٍ لدخَلَتْه [[في ف، أ: "لدخلت".]] عَلَيْهِ حَتَّى تَقْبِضَهُ". قَالَ: سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: "فَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فِي خِفَّةِ الطَّيْرِ وَأَحْلَامِ السِّبَاعِ، لَا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا، فَيَتَمَثَّلُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ: أَلَا تَسْتَجِيبُونَ؟ فَيَقُولُونَ: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَيَأْمُرُهُمْ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ [[في أ: "وهي في تلك".]] دَارٌّ رِزْقُهُمْ، حسنٌ عَيْشُهُمْ. ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَلَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلَّا أَصْغَى لِيتًا [وَرَفَعَ لِيتًا] [[زيادة من ف، وصحيح مسلم. وفي أ: "أصغى ليثا ورفع ليثا".]] . قَالَ: "وَأَوَّلُ مَنْ يَسْمَعُهُ رَجُلٌ يَلُوط حَوْضَ إِبِلِهِ". قَالَ: "فَيَصْعَقُ ويَصعقُ النَّاسُ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ -أَوْ قَالَ: يُنْزِلُ اللَّهُ مَطَرًا كَأَنَّهُ الطَّل -أَوْ قَالَ: الظِّلُّ -نُعْمَانُ الشَّاكُّ -فَتَنْبُتُ [[في ف: "فينبت".]] مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ، ثُمَّ ينفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ. ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ، وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مسؤولون. ثُمَّ يُقَالُ: أَخْرِجُوا بَعْثَ النَّارِ. فَيُقَالُ: مِنْ كَمْ؟ فَيُقَالُ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ". قَالَ: "فَذَلِكَ [[في أ: "فكذلك".]] يَوْمٌ يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شَيْبًا، وَذَلِكَ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ" [[صحيح مسلم برقم (٢٩٤٠) .]] . * * * وَقَوْلُهُ [[في ف، أ: "فقوله".]] : ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَلَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلَّا أَصْغَى لِيتًا وَرَفَعَ لِيتًا" اللِّيتُ [[في أ: "إلا أصغى ليثا ورفع ليثا الليث".]] : هُوَ صَفْحَةُ الْعُنُقِ، أَيْ: أَمَالَ عُنُقَهُ لِيَسْتَمِعَهُ مِنَ السَّمَاءِ جَيِّدًا. فَهَذِهِ نَفْخَةُ الْفَزَعِ. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ نَفْخَةُ الصَّعْقِ، وَهُوَ الْمَوْتُ. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ نَفْخَةُ الْقِيَامِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ النُّشُورُ مِنَ الْقُبُورِ لِجَمِيعِ الْخَلَائِقِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ﴾ -قُرئ بِالْمَدِّ، وَبِغَيْرِهِ [[في ف: "وغيره".]] عَلَى الْفِعْلِ، وكلٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ -وَ ﴿دَاخِرِينَ﴾ أَيْ: صَاغِرِينَ مُطِيعِينَ، لا يتخلف أحد عَنْ أَمْرِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٥٢] ، وَقَالَ ﴿ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ﴾ [الرُّومِ: ٢٥] . وَفِي حَدِيثِ الصُّورِ: أَنَّهُ فِي النَّفْخَةِ الثَّالِثَةِ يَأْمُرُ اللَّهُ الْأَرْوَاحَ، فَتُوضَعُ فِي ثُقْبٍ [[في أ: "نقب".]] فِي الصُّورِ، ثُمَّ يَنْفُخُ إِسْرَافِيلُ فِيهِ بَعْدَمَا تَنْبُتُ [[في أ: "ما نبتت".]] الْأَجْسَادُ فِي قُبُورِهَا وَأَمَاكِنِهَا، فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ طَارَتِ الْأَرْوَاحُ، تَتَوَهَّجُ أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ نُورًا، وَأَرْوَاحُ الْكَافِرِينَ ظُلمة، فَيَقُولُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَتَرْجِعَنَّ كُلُّ رُوحٍ [[في ف: "كل ريح".]] إِلَى جَسَدِهَا. فَتَجِيءُ الْأَرْوَاحُ إِلَى أَجْسَادِهَا، فَتَدِبُّ فِيهَا كَمَا يَدب السُّمُّ فِي اللَّدِيغِ، ثُمَّ يَقُومُونَ فَيَنْفُضُونَ التُّرَابَ مِنْ قُبُورِهِمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ﴾ [الْمَعَارِجِ: ٤٣] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ﴾ أَيْ: تَرَاهَا كَأَنَّهَا ثَابِتَةٌ بَاقِيَةٌ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ، وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ، أَيْ: تَزُولُ عَنْ أَمَاكِنِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا﴾ [الطُّورِ: ٩، ١٠] ، وَقَالَ ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا﴾ [طَهَ: ١٠٥، ١٠٧] ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأرْضَ بَارِزَةً﴾ [الْكَهْفِ: ٤٧] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ أَيْ: يَفْعَلُ ذَلِكَ بِقُدْرَتِهِ الْعَظِيمَةِ الَّذِي قَدْ أَتْقَنَ كُلَّ مَا خَلَقَ، وَأَوْدَعَ فِيهِ [[في ف: "به".]] مِنَ الْحِكْمَةِ مَا أَوْدَعَ، ﴿إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ أَيْ: هُوَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُ عِبَادُهُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ فَيُجَازِيهِمْ عَلَيْهِ. ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى حَالَ السُّعَدَاءِ وَالْأَشْقِيَاءِ يَوْمَئِذٍ فَقَالَ: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا﴾ -قَالَ قَتَادَةُ: بِالْإِخْلَاصِ. وَقَالَ زَيْنُ الْعَابِدِينَ: هِيَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ -وَقَدْ بيَّن فِي الْمَكَانِ [[في أ: "الموضع".]] الْآخَرِ [[يشير ابن كثير - رحمه الله - إلى الآية: ١٦٠ من سورة الأنعام، وهي قوله تَعَالَى: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يظلمون) .]] أَنَّ لَهُ عَشْر أَمْثَالِهَا ﴿وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾ ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأكْبَرُ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: ١٠٣] ، وَقَالَ: ﴿أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [فُصِّلَتْ: ٤٠] ، وَقَالَ: ﴿وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾ [سَبَأٍ: ٣٧] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ﴾ أَيْ: مَنْ لَقِيَ اللَّهَ مُسِيئًا لَا حَسَنَةَ لَهُ، أَوْ: قَدْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ، كُلٌّ بِحَسْبِهِ [[في أ: "الحسنة".]] ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ . وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَعَطَاءٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعي، وَأَبُو وَائِلٍ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَالزُّهْرِيُّ، والسُّدِّي، وَالضَّحَّاكُ، وَالْحَسَنُ، وقَتَادَةُ، وَابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ﴾ يعني: بالشرك.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب