الباحث القرآني

[بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. رَبِّ يَسِّرْ بِفَضْلِكَ] [[زيادة من ت.]] تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَصَصِ [وَهِيَ مَكِّيَّةٌ] [[زيادة من ف.]] قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا وَكِيع، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مَعْدِ يكَرِبَ قَالَ: أَتَيْنَا عَبْدَ اللَّهِ فَسَأَلْنَاهُ أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْنَا ﴿طسم﴾ الْمِائَتَيْنِ، فَقَالَ: مَا هِيَ مَعِي، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ مَن أَخَذَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: خَبَّاب بْنَ الأرَت. قَالَ: فَأَتَيْنَا خَبَّاب بْنَ الْأَرَتِّ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [[المسند (١/٤١٩) .]] . * * * قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿تِلْكَ﴾ أَيْ: هَذِهِ ﴿آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ أَيْ: الْوَاضِحِ الْجَلِيِّ الْكَاشِفِ عَنْ حَقَائِقِ الْأُمُورِ، وَعِلْمِ مَا قَدْ كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾ [يُوسُفَ: ٣] أَيْ: نَذْكُرُ لَكَ الْأَمْرَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، كَأَنَّكَ تُشَاهِدُ وَكَأَنَّكَ حَاضِرٌ. ثُمَّ قَالَ: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأرْضِ﴾ أَيْ: تَكَبَّرَ وَتَجَبَّرَ وَطَغَى. ﴿وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا﴾ أَيْ: أَصْنَافًا، قَدْ صَرَّفَ كُلَّ صِنْفٍ فِيمَا يُرِيدُ مِنْ أُمُورِ دَوْلَتِهِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ﴾ يَعْنِي: بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَكَانُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ خِيَارَ أَهْلِ زَمَانِهِمْ. هَذَا وَقَدْ سُلِّطَ عَلَيْهِمْ هَذَا الْمَلِكُ الْجَبَّارُ الْعَنِيدُ يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي أَخَسِّ الْأَعْمَالِ، ويكُدُّهُم لَيْلًا وَنَهَارًا فِي أَشْغَالِهِ وَأَشْغَالِ رَعِيَّتِهِ، وَيَقْتُلُ مَعَ هَذَا أَبْنَاءَهُمْ، وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ، إِهَانَةً لَهُمْ وَاحْتِقَارًا، وَخَوْفًا مِنْ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُمُ الْغُلَامُ الَّذِي كَانَ قَدْ تَخَوَّفَ هُوَ وَأَهْلُ مَمْلَكَتِهِ مِنْ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُمْ غلام، يَكُونُ سَبَبُ هَلَاكِهِ وَذَهَابُ دَوْلَتِهِ عَلَى يَدَيْهِ. وَكَانَتِ الْقِبْطُ قَدْ تَلَقَّوْا هَذَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِيمَا كَانُوا يَدْرُسُونَهُ مِنْ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ، حِينَ وَرَدَ الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ، وَجَرَى لَهُ مَعَ جَبَّارِهَا مَا جَرَى، حِينَ أَخَذَ سَارَّةَ لِيَتَّخِذَهَا جَارِيَةً، فَصَانَهَا اللَّهُ مِنْهُ، وَمَنَعَهُ مِنْهَا [[في ف، أ: "ومنعها منه".]] بِقُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ. فَبَشَّرَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَدَهُ أَنَّهُ سَيُولَدُ مِنْ صُلْبِهِ وَذَرِّيَّتِهِ مَن يَكُونُ هَلَاكُ مَلِكِ مِصْرَ عَلَى يَدَيْهِ، فَكَانَتِ الْقِبْطُ تَتَحَدَّثُ بِهَذَا عِنْدَ فِرْعَوْنَ، فَاحْتَرَزَ فِرْعَوْنُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَرَ بِقَتْلِ ذُكُورِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلَنْ يَنْفَعَ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ؛ لِأَنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ، وَلِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ . وَقَدْ فَعَلَ تَعَالَى ذَلِكَ بِهِمْ، كَمَا قَالَ: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾ [الْأَعْرَافِ: ١٣٧] وَقَالَ: ﴿كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الشُّعَرَاءِ: ٥٩] ، أَرَادَ فِرْعَوْنُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ أَنْ يَنْجُوَ مِنْ مُوسَى، فَمَا نَفَعَهُ ذَلِكَ مَعَ قَدَر الْمَلِكِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا يُخَالَفُ أَمْرُهُ الْقَدَرِيُّ، بَلْ نَفَذَ حُكْمُهُ وَجَرَى قَلَمُهُ فِي القِدَم بِأَنْ يَكُونَ إِهْلَاكُ فِرْعَوْنَ عَلَى يَدَيْهِ، بَلْ يَكُونُ هَذَا الْغُلَامُ الَّذِي احْتَرَزْتَ مِنْ وُجُودِهِ، وَقَتَلْتَ بِسَبَبِهِ أُلُوفًا مِنَ الْوِلْدَانِ إِنَّمَا مَنْشَؤُهُ وَمُرَبَّاهُ عَلَى فِرَاشِكَ، وَفِي دَارِكَ، وَغِذَاؤُهُ مِنْ طَعَامِكَ، وَأَنْتَ تُرَبِّيهِ وَتُدَلِّلُهُ وَتَتَفَدَّاهُ، وَحَتْفُكَ، وَهَلَاكُكَ وَهَلَاكُ جُنُودِكَ عَلَى يَدَيْهِ، لِتَعْلَمَ أَنَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ الْعُلَا هُوَ الْقَادِرُ الْغَالِبُ الْعَظِيمُ، الْعَزِيزُ الْقَوِيُّ الشَّدِيدُ الْمِحَالِ، الَّذِي مَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب