الباحث القرآني

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِالْخَلْقِ وَالِاخْتِيَارِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي ذَلِكَ مُنَازِعٌ وَلَا مُعَقِّبٌ فَقَالَ: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾ أَيْ: مَا يَشَاءُ، فَمَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَالْأُمُورُ كُلُّهَا خَيْرُهَا وَشَرُّهَا بِيَدِهِ، وَمَرْجِعُهَا إِلَيْهِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ نَفْيٌ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الْأَحْزَابِ: ٣٦] . وَقَدِ اخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ ﴿مَا﴾ هَاهُنَا بِمَعْنَى "الَّذِي"، تَقْدِيرُهُ: وَيَخْتَارُ الَّذِي لَهُمْ فِيهِ خِيرَةٌ. وَقَدِ احْتَجَّ بِهَذَا الْمَسْلَكِ طَائِفَةُ الْمُعْتَزِلَةِ عَلَى وُجُوبِ مُرَاعَاةِ الْأَصْلَحِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا نَافِيَةٌ، كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ أَيْضًا، فَإِنَّ الْمَقَامَ فِي بَيَانِ انْفِرَادِهِ تَعَالَى بِالْخَلْقِ وَالتَّقْدِيرِ وَالِاخْتِيَارِ، وَأَنَّهُ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ أَيْ: مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْدَادِ، الَّتِي لَا تَخْلُقُ وَلَا تَخْتَارُ شَيْئًا. ثُمَّ قَالَ: ﴿وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ أَيْ: يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ [[في هـ، أ: "مكتمة" والمثبت من ت، ف.]] الضَّمَائِرُ، وَمَا تَنْطَوِي عَلَيْهِ السَّرَائِرُ، كَمَا يَعْلَمُ مَا تُبْدِيهِ الظَّوَاهِرُ مِنْ سَائِرِ الْخَلَائِقِ، ﴿سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ﴾ [الرَّعْدِ: ١٠] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ﴾ أَيْ: هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْإِلَهِيَّةِ، فَلَا مَعْبُودَ سِوَاهُ، كَمَا لَا رَبَّ يَخْلُقُ وَيَخْتَارُ سِوَاهُ ﴿لَهُ الْحَمْدُ فِي الأولَى وَالآخِرَةِ﴾ أَيْ: فِي جَمِيعِ مَا يَفْعَلُهُ هُوَ الْمَحْمُودُ عَلَيْهِ، لِعَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ ﴿وَلَهُ الْحُكْمُ﴾ أَيِ: الَّذِي لَا مُعَقِّبَ لَهُ، لِقَهْرِهِ وَغَلَبَتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَرَحِمَتِهِ، ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ أَيْ: جَمِيعُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُجَازِي [[في ت، ف: "فيجزي".]] كُلَّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ، مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ خَافِيَةٌ فِي سائر الأعمال.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب