الباحث القرآني

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَنَعِيمَهَا الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ، جَعَلَهَا لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَوَاضِعِينَ، الَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ، أَيْ: تَرَفُّعًا عَلَى خَلْقِ اللَّهِ وَتَعَاظُمًا عَلَيْهِمْ وَتَجَبُّرًا بِهِمْ، وَلَا فَسَادًا فِيهِمْ. كَمَا قَالَ عِكْرِمَةُ: الْعُلُوُّ: التَّجَبُّرُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْعُلُوُّ: الْبَغْيُ. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُسْلِمٍ [[في أ: "سالم".]] الْبَطِينِ: الْعُلُوُّ فِي الْأَرْضِ: التَّكَبُّرُ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَالْفَسَادُ: أَخْذُ الْمَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْج: ﴿لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ﴾ تَعَظُّمًا وَتَجَبُّرًا [[في ف: "ولا تجبرا".]] ، ﴿وَلا فَسَادًا﴾ : عَمَلًا بِالْمَعَاصِي. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيع، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَشْعَثَ السَّمَّانِ [[في أ: "أشعب السماك".]] ، عَنْ أَبَى سَلَّامٍ الْأَعْرَجِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيُعْجِبُهُ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ أَنْ يَكُونَ أَجْوَدَ مِنْ شِرَاكِ صَاحِبِهِ، فَيَدْخُلُ [[في أ: "فدخل".]] فِي قَوْلِهِ: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ . وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا أَرَادَ [بِذَلِكَ] [[زيادة من ف، أ.]] الْفَخْرَ [وَالتَّطَاوُلَ] [[زيادة من ت، ف، أ.]] عَلَى غَيْرِهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مَذْمُومٌ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ [أَنَّهُ قَالَ] [[زيادة من ت، ف، أ.]] إِنَّهُ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ تواضَعُوا، حَتَّى لَا يفخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ" [[صحيح مسلم برقم (٢٨٦٥) من حديث عياض بن حمار رضي الله عنه.]] ، وَأَمَّا إِذَا أَحَبَّ ذَلِكَ لِمُجَرَّدِ التَّجَمُّلِ فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَحَبُّ أَنْ يَكُونَ رِدَائِي حَسَنًا وَنَعْلِي حَسَنَةً، أَفَمِنَ الْكِبَرِ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: "لَا إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ". وَقَالَ [[في ت، ف: "وقوله".]] : ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ﴾ أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴿فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا﴾ أَيْ: ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ حَسَنَة الْعَبْدِ، فَكَيْفَ وَاللَّهُ يُضَاعِفُهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً فَهَذَا [[في ف: "وهذا".]] مَقَامُ الْفَضْلِ. ثُمَّ قَالَ: ﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النَّمْلِ: ٩٠] وَهَذَا مَقَامُ الْفَصْلِ وَالْعَدْلِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب