يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ: أَنَّهُمْ قَالُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الْهُدَى: ارْجِعُوا عَنْ دِينِكُمْ إِلَى دِينِنَا، وَاتَّبَعُوا سَبِيلَنَا، ﴿وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ﴾ أَيْ: وَآثَامَكُمْ -إِنْ كَانَتْ لَكُمْ آثَامٌ فِي ذَلِكَ -عَلَيْنَا وَفِي رِقَابِنَا، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ: "افْعَلْ هَذَا وَخَطِيئَتُكَ فِي رَقَبَتِي". قَالَ اللَّهُ تَكْذِيبًا لَهُمْ: ﴿وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ أَيْ: فِيمَا قَالُوهُ: إِنَّهُمْ يَحْمِلُونَ عَنْ أُولَئِكَ خَطَايَاهُمْ، فَإِنَّهُ لَا يَحْمِلُ أَحَدٌ وِزْرَ أَحَدٍ، ﴿وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ [فَاطِرَ: ١٨] ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا. يُبَصَّرُونَهُمْ﴾ [الْمَعَارِجِ: ١٠، ١١] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ﴾ : إِخْبَارٌ عَنِ الدُّعَاةِ إِلَى الْكُفْرِ وَالضَّلَالَةِ، أَنَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَ أَنْفُسِهِمْ، وَأَوْزَارًا أخَر بِسَبَبِ مَنْ أَضَلُّوا مِنَ النَّاسِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْقَصَ مِنْ أَوْزَارِ أُولَئِكَ شَيْئًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ [النَّحْلِ: ٢٥] .
وَفِي الصَّحِيحِ: "مَنْ دَعَا إِلَى هَدْيٍ كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنِ اتَّبَعَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنِ اتَّبَعَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا" [[تقدم تخريج الحديث عند الآية: ٢ من سورة المائدة.]] وَفِي الصَّحِيحِ: "مَا قُتِلَتْ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنّ الْقَتْلَ" [[تقدم تخريج الحديث عند الآية: ٣٠ من سورة المائدة.]] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ أَيْ: يَكْذِبُونَ وَيَخْتَلِقُونَ مِنَ الْبُهْتَانِ.
وَقَدْ ذَكَرَ [[في ت: "روى".]] ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ هَاهُنَا حَدِيثًا فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَفْصِ بْنِ أَبِي الْعَالِيَةِ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ حَبِيبٍ الْمُحَارِبِيُّ [[في أ: "البخاري".]] عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَلَّغَ مَا أُرْسِلَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالظُّلْمَ، فَإِنَّ اللَّهَ يَعْزِمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: وَعِزَّتِي لَا يَجُوزُنِي الْيَوْمَ ظُلْمٌ! ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ فَيَقُولُ: أَيْنَ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ؟ فَيَأْتِي يَتْبَعُهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ أَمْثَالُ الْجِبَالِ، فَيُشْخِصُ النَّاسُ إِلَيْهَا أَبْصَارَهُمْ حَتَّى يَقُومَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَأْمُرُ الْمُنَادِي فَيُنَادِي [[في ت، ف: "أن ينادي".]] مَنْ كَانَتْ لَهُ تِبَاعة -أَوْ: ظُلامة -عِنْدَ فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ، فَهَلُمَّ. فَيُقْبِلُونَ حَتَّى يَجْتَمِعُوا قِيَامًا بَيْنَ يَدَيِ الرَّحْمَنِ، فَيَقُولُ الرَّحْمَنُ: اقْضُوا عَنْ عَبْدِي. فَيَقُولُونَ: كَيْفَ نَقْضِي عَنْهُ؟ فَيَقُولُ لَهُمْ: خُذُوا لَهُمْ مِنْ حَسَنَاتِهِ. فَلَا يَزَالُونَ يَأْخُذُونَ مِنْهَا حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُ حَسَنَةٌ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ الظُّلَامَاتِ، فَيَقُولُ: اقْضُوا عَنْ عَبْدِي. فَيَقُولُونَ: لَمْ يَبْقَ لَهُ حَسَنَةٌ. فَيَقُولُ: خُذُوا مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ فَاحْمِلُوهَا عَلَيْهِ". ثُمَّ نَزَعَ النَّبِيُّ ﷺ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ .
وَهَذَا الْحَدِيثُ لَهُ شَاهِدٌ [[في ف، أ: "شواهد".]] فِي الصَّحِيحِ [[بعدها في ت، أ: "إن الرجل ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال وقد ظلم هذا، وأخذ مال هذا، وأخذ من عرض هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإذا لم يبق له حسنة، أخذ من سيئاتهم، فطرح عليه".]] مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ [[في ت: "وروى".]] ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحِوَارِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ [[في أ: "عن أبي النسائي".]] الثُّمَالِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يَا مُعَاذُ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ يُسْأَلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ جَمِيعِ سَعْيِهِ، حَتَّى عَنْ كُحْل عَيْنَيْهِ، وَعَنْ فُتَاتِ الطِّينَةِ بِأُصْبُعَيْهِ [[في أ: "بإصبعه".]] ، فَلَا ألْفَيَنَّكَ تَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَحَدٌ أَسْعَدُ بِمَا آتَاكَ [[في ت، ف: "أتاه".]] اللَّهُ مِنْكَ" [[ورواه أبو نعيم في الحلية (١٠/٣١) من طريق إسحاق بن أبي حسان عن أحمد بن أبي الحواري به.]] .
{"ayahs_start":12,"ayahs":["وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّبِعُوا۟ سَبِیلَنَا وَلۡنَحۡمِلۡ خَطَـٰیَـٰكُمۡ وَمَا هُم بِحَـٰمِلِینَ مِنۡ خَطَـٰیَـٰهُم مِّن شَیۡءٍۖ إِنَّهُمۡ لَكَـٰذِبُونَ","وَلَیَحۡمِلُنَّ أَثۡقَالَهُمۡ وَأَثۡقَالࣰا مَّعَ أَثۡقَالِهِمۡۖ وَلَیُسۡـَٔلُنَّ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ عَمَّا كَانُوا۟ یَفۡتَرُونَ"],"ayah":"وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّبِعُوا۟ سَبِیلَنَا وَلۡنَحۡمِلۡ خَطَـٰیَـٰكُمۡ وَمَا هُم بِحَـٰمِلِینَ مِنۡ خَطَـٰیَـٰهُم مِّن شَیۡءٍۖ إِنَّهُمۡ لَكَـٰذِبُونَ"}