الباحث القرآني

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ وَخَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ إِمَامِ الْحُنَفَاءِ: أَنَّهُ دَعَا قَوْمَهُ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَالْإِخْلَاصِ لَهُ فِي التَّقْوَى، وَطَلَبِ الرِّزْقِ مِنْهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَتَوْحِيدِهِ فِي الشكر [[في أ: "الشرك".]] ، فإنه المشكور على النعم، لا مُسْدٍ لَهَا غَيْرُهُ، فَقَالَ لِقَوْمِهِ: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ﴾ أَيْ: أَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ وَالْخَوْفَ، ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أَيْ: إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ حَصَلَ لَكُمُ الْخَيْرُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَانْدَفَعَ عَنْكُمُ الشَّرُّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْأَصْنَامَ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا وَالْأَوْثَانَ، لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَإِنَّمَا اخْتَلَقْتُمْ أَنْتُمْ لَهَا أَسْمَاءً، سَمَّيْتُمُوهَا [[في ف: "فسميتموها".]] آلِهَةً، وَإِنَّمَا هِيَ مَخْلُوقَةٌ مِثْلُكُمْ. هَكَذَا رَوَى الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ، وَالسُّدِّيُّ. وَرَوَى الْوَالِبِيُّ [[في أ: "البخاري".]] ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَتَصْنَعُونَ إِفْكًا، أَيْ: تَنْحِتُونَهَا أَصْنَامًا. وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ -فِي رِوَايَةٍ -وَعِكْرِمَةُ، وَالْحَسَنُ، وقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمْ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ. وَهِيَ لَا تَمْلِكُ لَكُمْ رِزْقًا، ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ﴾ وَهَذَا أَبْلَغُ فِي الْحَصْرِ، كَقَوْلِهِ: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الْفَاتِحَةِ: ٥] ، ﴿رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ﴾ [التَّحْرِيمِ: ١١] ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿فَابْتَغُوا﴾ أَيْ: فَاطْلُبُوا ﴿عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ﴾ أَيْ: لَا عِنْدَ غَيْرِهِ، فَإِنَّ غَيْرَهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، ﴿وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ﴾ أَيْ: كُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَاعْبُدُوهُ وَحْدَهُ [[في ف، أ:"وحده لا شريك له".]] ، وَاشْكُرُوا لَهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ، ﴿إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُجَازِي كُلَّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ أَيْ: فَبَلَّغَكُمْ مَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ فِي مُخَالَفَةِ الرُّسُلِ، ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ يَعْنِي: إِنَّمَا عَلَى الرَّسُولِ أَنْ يبلغكم ما أمره الله تعالى بِهِ مِنَ الرِّسَالَةِ، وَاللَّهُ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، فَاحْرِصُوا [[في ت: "فأخلصوا".]] لِأَنْفُسِكُمْ أَنْ تَكُونُوا مِنَ السُّعَدَاءِ. وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ قَالَ: يُعزي نَبِيَّهُ ﷺ. وَهَذَا مِنْ قَتَادَةَ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَدِ انْقَطَعَ الْكَلَامُ الْأَوَّلُ، وَاعْتَرَضَ بِهَذَا إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ﴾ . وَهَكَذَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا [[تفسير الطبري (٢٠/٨٩) .]] . وَالظَّاهِرُ مِنَ السِّيَاقِ أَنَّ كُلَّ هَذَا مِنْ كَلَامِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ [لِقَوْمِهِ] [[زيادة من أ.]] يَحْتَجُّ عَلَيْهِمْ لِإِثْبَاتِ الْمَعَادِ، لِقَوْلِهِ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ﴾ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب