الباحث القرآني

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ هَؤُلَاءِ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ لِلرُّسُلِ كَيْفَ أَبَادَهُمْ وَتَنَوَّعَ فِي عَذَابِهِمْ، فَأَخَذَهُمْ [[في ت، ف: "وأخذهم".]] بِالِانْتِقَامِ مِنْهُمْ، فَعَادٌ قَوْمُ هُودٍ، وَكَانُوا يَسْكُنُونَ الْأَحْقَافَ وَهِيَ قَرِيبَةٌ [[في أ: "قرية".]] مِنْ حَضْرَمَوْتَ بِلَادِ الْيَمَنِ، وَثَمُودُ قَوْمُ صَالِحٍ، وَكَانُوا يَسْكُنُونَ الْحِجْرَ قَرِيبًا مِنْ وَادِي الْقُرَى. وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَعْرِفُ مَسَاكِنَهُمَا [[في ت: "مساكنهم".]] جَيِّدًا، وَتَمُرُّ عَلَيْهَا كَثِيرًا. وَقَارُونُ صَاحِبُ الْأَمْوَالِ الْجَزِيلَةِ وَمَفَاتِيحِ الْكُنُوزِ الثَّقِيلَةِ. وَفِرْعَوْنُ مَلِكُ مِصْرَ فِي زَمَانِ مُوسَى وَوَزِيرُهُ هَامَانَ الْقِبْطِيَّانِ الْكَافِرَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ. ﴿فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ﴾ أَيْ: كَانَتْ عُقُوبَتُهُ بِمَا يُنَاسِبُهُ، ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا﴾ ، وَهُمْ عَادٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: مَنْ أشدُّ مِنَّا قُوَّةً؟ فَجَاءَتْهُمْ رِيحٌ صَرْصَرٌ بَارِدَةٌ شَدِيدَةُ الْبَرْدِ، عَاتِيَةٌ شَدِيدَةُ الْهُبُوبِ جِدًّا، تَحْمِلُ عَلَيْهِمْ حَصْبَاءَ الْأَرْضِ فَتَقْلِبُهَا عَلَيْهِمْ، وَتَقْتَلِعُهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَتَرْفَعُ الرَّجُلَ مِنْهُمْ إِلَى عَنَان السَّمَاءِ، ثُمَّ تُنَكِّسُهُ عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ فَتَشْدَخُهُ فَيَبْقَى بَدَنًا بِلَا رَأْسٍ، كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ [[في ف، أ: "خاوية".]] . ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ﴾ ، وَهُمْ ثَمُودُ، قَامَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ وَظَهَرَتْ لَهُمُ [[في ف، أ: "عليهم".]] الدَّلَالَةُ، مِنْ تِلْكَ النَّاقَةِ الَّتِي انْفَلَقَتْ عَنْهَا الصَّخْرَةُ، مِثْلَ مَا سَأَلُوا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَمَعَ هَذَا مَا آمَنُوا بَلِ اسْتَمَرُّوا عَلَى طُغْيَانِهِمْ وَكُفْرِهِمْ، وَتَهَدَّدُوا نَبِيَّ اللَّهِ صَالِحًا ومَنْ آمَنَ مَعَهُ، وتوعَّدوهُم بِأَنْ يُخْرِجُوهُمْ وَيَرْجُمُوهُمْ، فَجَاءَتْهُمْ صَيْحَةٌ أَخَمَدَتِ الْأَصْوَاتَ مِنْهُمْ وَالْحَرَكَاتِ. ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرْضَ﴾ ، وَهُوَ قَارُونُ الَّذِي طَغَى وَبَغَى وَعَتَا، وَعَصَى الرَّبَّ الْأَعْلَى، وَمَشَى فِي الْأَرْضِ مَرَحًا، وَفَرِحَ وَمَرِحَ وَتَاهَ بِنَفْسِهِ، وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ، وَاخْتَالَ فِي مِشْيَتِهِ، فَخَسَفَ اللَّهُ بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا﴾ ، وَهُمْ [[في ف، أ: "وهو".]] فِرْعَوْنُ وَوَزِيرُهُ هَامَانُ، وَجُنُودُهُ عَنْ آخِرِهِمْ، أُغْرِقُوا فِي صَبِيحَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ مُخْبِرٌ، ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ﴾ أَيْ: فِيمَا فَعَلَ بِهِمْ، ﴿وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ أي: إنما فعل ذلك بِهِمْ جَزَاءً وِفَاقًا بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيهِمْ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ظَاهِرُ سِيَاقِ الْآيَةِ، وَهُوَ مِنْ بَابِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ، وَهُوَ أَنَّهُ ذَكَرَ الْأُمَمَ الْمُكَذِّبَةَ، ثُمَّ قَالَ: ﴿فَكُلا [[في ت: "فمنهم" وهو خطأ.]] أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ﴾ [الْآيَةَ] [[زيادة من أ.]] ، أَيْ: مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ، وَإِنَّمَا نبهتُ عَلَى هَذَا لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ [[في ت: "عن".]] ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا﴾ ، قَالَ: قَوْمُ لُوطٍ. ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا﴾ ، قَالَ: قَوْمُ نُوحٍ. وَهَذَا [[في ت: "وهو".]] مُنْقَطِعٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ فَإِنَّ ابْنَ جُرْيَج لَمْ يُدْرِكْهُ. ثُمَّ قَدْ ذُكِرَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ إِهْلَاكُ قَوْمِ نُوحٍ بِالطُّوفَانِ، وَقَوْمِ لُوطٍ بِإِنْزَالِ الرِّجْزِ مِنَ السَّمَاءِ، وَطَالَ السياقُ والفصلُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ هَذَا السِّيَاقِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا﴾ قَالَ: قَوْمُ لُوطٍ، ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ﴾ ، قَوْمُ شُعَيْبٍ. وَهَذَا بَعِيدٌ أَيْضًا لِمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب