الباحث القرآني

يُخْبِرُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَامًّا يَعُمُّ جَمِيعَ الْخَلِيقَةِ بِأَنَّ كُلَّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ، كَقَوْلِهِ: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ. وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ﴾ فَهُوَ تَعَالَى وَحْدَهُ هُوَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَالْإِنْسُ وَالْجِنُّ يَمُوتُونَ، وَكَذَلِكَ [[في أ: "وكذا".]] الْمَلَائِكَةُ وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ، وَيَنْفَرِدُ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الْقَهَّارُ بِالدَّيْمُومَةِ وَالْبَقَاءِ، فَيَكُونُ آخِرًا كَمَا كَانَ أَوَّلًا. وَهَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا تَعْزِيَةٌ لِجَمِيعِ النَّاسِ، فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى أَحَدٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ حَتَّى يَمُوتَ، فَإِذَا انْقَضَتِ الْمُدَّةُ وفَرَغَت النُّطْفَةُ الَّتِي قَدَّرَ اللَّهُ وُجُودَهَا مِنْ صُلْبِ آدَمَ وَانْتَهَتِ الْبَرِيَّةُ -أَقَامَ اللَّهُ الْقِيَامَةَ وَجَازَى الْخَلَائِقَ بِأَعْمَالِهَا جَلِيلِهَا وَحَقِيرِهَا، كَثِيرِهَا وَقَلِيلِهَا، كَبِيرِهَا وَصَغِيرِهَا، فَلَا يَظْلِمُ أَحَدًا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْأُوَيْسِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ اللِّهْبِيّ [[في جـ: "الهاشمي".]] عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ [[في أ، و: "أن".]] عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا تُوفي النَّبِيُّ ﷺ وَجَاءَتِ التَّعْزِيَةُ، جَاءَهُمْ آتٍ يَسْمَعُونَ حِسَّهُ وَلَا يَرَوْنَ شَخْصَهُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ إن فِي [[في جـ، أ: "من".]] اللَّهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبة، وخَلَفًا مِنْ كُلِّ هَالِكٍ، وَدَرَكًا مِنْ كُلِّ فَائِتٍ، فَبِاللَّهِ فَثِقُوا، وَإِيَّاهُ فَارْجُوا، فَإِنَّ الْمُصَابَ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: فَأَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: أَتَدْرُونَ [[في جـ، ر: "تدرون".]] مَنْ هَذَا؟ هَذَا الْخَضِرُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ [[ذكره السيوطي في الدر (٢/٣٩٩) وإسناده ضعيف ومتنه منكر.]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾ أَيْ: مَنْ جُنِّبَ النَّارَ وَنَجَا مِنْهَا وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ، فَقَدْ فَازَ كُلَّ الْفَوْزِ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [[زيادة من ر.]] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَوْضع سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خيرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فيها، اقرؤوا إن شئم: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾ [[ورواه أحمد في مسنده (٢/٤٣٨) والترمذي في السنن برقم (٣٢٩٢) ، والحاكم في المستدرك (٢/٢٩٩) وقال: "على شرط مسلم" ووافقه الذهبي، كلهم من طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ به. وللحديث طرق أخرى عن أبي هريرة وله شواهد من حديث سهل بن سعد في الصحيحين كما سيأتي، ومن حديث أنس بن مالك عند أحمد في المسند (٣/١٤١) انظر الكلام عليه موسعا في: السلسلة الصحيحة للألباني برقم (١٩٧٨) .]] . هَذَا حَدِيثٌ [[في جـ، ر، أ، و: "الحديث".]] ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ [[أخرجه البخاري في صحيحه برقم (٦٤١٥) ، ومسلم في صحيحه برقم (١٨٨١) .]] بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَقَدْ رَوَاهُ بِدُونِ هَذِهِ [[في جـ، ر: "بهذه".]] الزِّيَادَةِ أَبُو حَاتِمٍ، وَابْنُ حِبَّانَ [[في جـ، ر: "أبو حاتم بن حبان".]] فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو هَذَا. وَرَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ [أَيْضًا] [[زيادة من أ، و.]] مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، أَنْبَأَنَا حُمَيْد بْنُ مَسْعَدَةَ، أَنْبَأَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَمَوْضِعُ سَوط أحَدكم فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا". قَالَ: ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾ وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ وَكيع [[في و: "ما رواه ابن الجراح في تفسيره".]] عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمرو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَنْ أحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَأَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ، فَلْتُدْرِكْهُ مَنِيَّتُه وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، ولْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ مَا يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ" [[المسند (٢/١٩١) .]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ تَصْغِيرًا [[في ر: "تصغير".]] لِشَأْنِ الدُّنْيَا، وَتَحْقِيرًا [[في جـ: "وتحقيرها"، وفي ر: "تحقير".]] لأمرها، وأنها دَنِيئَةٌ فَانِيَةٌ قَلِيلَةٌ زَائِلَةٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [الْأَعْلَى:١٦، ١٧] [وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا مَتَاعٌ﴾ [الرَّعْدِ:٢٦] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ] [[زيادة من جـ، ر.]] ﴾ [النَّحْلِ:٩٦] . وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا [[في ر: "فما".]] أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [الْقِصَصِ:٦٠] وَفِي الْحَدِيثِ: "واللهِ مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا كَمَا يَغْمِسُ أحدُكُم إِصْبَعَهُ فِي اليَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِع [[في أ، و: "يرجع".]] إِلَيْهِ؟ " [[رواه مسلم في صحيحه برقم (٢٨٥٨) والترمذي برقم (٢٣٢٣) وابن ماجة في السنن برقم (٤١٠٨) من حديث المستورد ابن شداد رضي الله عنه.]] . وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ هِيَ مَتَاعٌ، هِيَ مَتَاعٌ، مَتْرُوكَةٌ، أَوْشَكَتْ -وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ-أَنْ تَضْمَحِلَّ عَنْ أَهْلِهَا، فَخُذُوا مِنْ هَذَا [[في جـ، ر: "هذه".]] الْمَتَاعِ طَاعَةَ اللَّهِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ﴾ كَقَوْلِهِ ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ [وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ] [[زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي هـ: "إلى آخر الآيتين".]] ﴾ [الْبَقَرَةِ:١٥٥، ١٥٦] أَيْ: لَا بُدَّ أَنْ يُبْتَلَى الْمُؤْمِنُ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ أَوْ نَفْسِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ أَهْلِهِ، وَيُبْتَلَى الْمُؤْمِنُ [[في جـ، ر، أ، و: "المرء".]] عَلَى قَدْرِ دِينِهِ، إِنْ [[في أ، و: "فإن".]] كَانَ فِي دِينِهِ صَلَابَةٌ زِيدَ فِي الْبَلَاءِ ﴿وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا﴾ يَقُولُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ مَقْدمهم المدينَة قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، مُسَلِّيًا لَهُمْ عَمَّا نَالَهُمْ [[في جـ، ر: "ينالهم".]] مِنَ الْأَذَى مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ، وَآمِرًا لَهُمْ بِالصَّبْرِ وَالصَّفْحِ وَالْعَفْوِ حَتَّى يُفَرِّجَ اللَّهُ، فَقَالَ: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ﴾ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أبو اليمان، حدثنا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُرْوة بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ يَعْفُونَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ، وَيَصْبِرُونَ عَلَى الْأَذَى، قَالَ اللَّهُ: ﴿وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا﴾ قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ [[في أ: "النبي".]] ﷺ يَتَأَوَّلُ فِي الْعَفْوِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، حَتَّى أَذِنَ [[في أ: "أذنه".]] اللَّهُ فِيهِمْ. هَكَذَا رَوَاهُ مُخْتَصَرًا، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مُطَوَّلًا فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنْبَأَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَكِبَ عَلَى حمَار، عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ فَدكيَّة وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَرَاءَهُ، يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، قَبْل وَقْعَةِ بَدْر، قَالَ: حَتَّى مَرَّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بن سَلُول، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، فَإِذَا فِي الْمَجْلِسِ أَخْلَاطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، عَبَدَة الْأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَفِي الْمَجْلِسِ عبدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحة، فَلَمَّا غَشَيت المجلسَ عَجَاجةُ الدَّابَّةِ خَمَّر عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ وَقَالَ: "لَا تُغَبروا عَلَيْنَا. فَسَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ [[في أ: "فَسَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عليهم".]] ثُمَّ وَقَفَ، فَنَزَلَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وجل، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبَي: أَيُّهَا المَرْء، إِنَّهُ لَا أحْسَنَ مِمَّا تَقُولُ، إِنْ كَانَ حَقًّا فَلَا تؤْذنا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا، ارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ، فَمَنْ جَاءَكَ فَاقْصُصْ عَلَيْهِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: بَلَى [[في أ: "بل".]] يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَاغْشنَا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا فَإِنَّا نُحب ذَلِكَ. فاستَب الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ حَتَّى كَادُوا يَتَثَاورون [[في و: "يتبارزون".]] فَلَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ ﷺ يُخفضهم حَتَّى سَكَتُوا، ثُمَّ رَكِبَ النَّبِيُّ ﷺ دَابته، فَسَارَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادة، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: "يَا سَعْدُ، أَلَمْ تَسْمَع إِلَى مَا قَالَ أَبُو حُبَاب [[في أ: "حبان".]] -يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ-قَالَ كَذَا وَكَذَا". فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اعْفُ عَنْهُ وَاصْفَحْ [[في جـ، ر، أ، و: "واصفح عنه".]] فوَالله الَّذِي [[في جـ، ر، أ، و: "فوالذي".]] أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ لَقَدْ جَاءَ اللَّهُ [[في و: "لقد خالفتهم".]] بِالْحَقِّ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ، وَلَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ البُحَيْرَة [[البحيرة المقصود بها: مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.]] عَلَى أَنْ يُتَوِّجوه وَيُعَصِّبُوه [[في أ: "فيعصبوه"، وفي و: "فيعصبونه".]] بِالْعِصَابَةِ، فَلَمَّا أَبَى [[في ر، أ،: "أتى".]] اللَّهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَ اللَّهُ شَرِقَ بِذَلِكَ، فَذَلِكَ الَّذِي فَعَل [[في أ: "ثقل".]] بِهِ مَا رأيتَ، فَعَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ يَعْفُونَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، كَمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ، وَيَصْبِرُونَ عَلَى الْأَذَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا [وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ] [[زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي هـ: "الآية".]] ﴾ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ الْآيَةَ [الْبَقَرَةِ:١٠٩] ، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَتَأوّل فِي الْعَفْوِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، حَتَّى أذنَ اللَّهُ فِيهِمْ، فَلَمَّا غَزَا رسولُ اللَّهِ ﷺ بَدْرًا، فَقَتَلَ اللَّهُ بِهِ صَنَادِيدَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبَيّ ابْنُ سَلُول وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ: هَذَا أَمْرٌ قَدْ تَوَجّه، فبايعُوا الرَّسُولَ ﷺ عَلَى الْإِسْلَامِ [[في جـ، أ، و: "على الإسلام فبايعوا".]] وَأَسْلَمُوا [[في ر: "فأسلموا".]] [[صحيح البخاري برقم (٤٥٦٦) ، ورواه مسلم في صحيحه برقم (١٧٩٨) .]] . فَكَانَ مَنْ قَامَ بِحَقٍّ، أَوْ أَمَرَ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ، فَلَا بُدَّ أَنْ يؤذَى، فَمَا لَهُ دَوَاءٌ إِلَّا الصَّبْرُ فِي اللَّهِ، وَالِاسْتِعَانَةُ بِاللَّهِ، وَالرُّجُوعُ إِلَى اللَّهِ، عَزَّ وجل.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب