الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ﴾ أَيْ: فَأَجَابَهُمْ رَبُّهُمْ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: وداعٍ دَعَا: يَا مَن يُجِيبُ إِلَى النِّدَى ... فَلم يَسْتجبْه عنْد ذَاكَ مُجِيبُ [[البيت في تفسير الطبري (٧/٤٨٨) وهو لكعب بن سعد الغنوي.]] ... قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَلَمَةَ، رَجُلٌ مِنْ آلِ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا نَسْمَع اللهَ ذَكَر النِّسَاءَ فِي الْهِجْرَةِ بِشَيْءٍ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ [عَزَّ وَجَلَّ] [[زيادة من أ.]] ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى﴾ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. وَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: هِيَ أَوَّلُ ظَعِينَةٍ قَدمت عَلَيْنَا. وَقَدْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنة، ثُمَّ قَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ [[سنن سعيد بن منصور برقم (٥٥٢) والمستدرك (٢/٣٠٠) ورواه عبد الرزاق في تفسيره (١/١٤٤) ومن طريقه ابن جرير في تفسيره (٧/٤٨٨) ولم يذكر قوله: "وقالت الأنصار إلى آخره" من طريق سفيان بنحوه.]] . وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي نَجيح، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَمِّ سَلَمة قَالَتْ: آخِرُ آيَةٍ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ إِلَى آخِرِهَا. رَوَاهُ ابْنُ مَرْدُويَه. وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ ذَوِي الْأَلْبَابِ لَمَّا سَأَلُوا -مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ-فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ -عَقَّبَ ذَلِكَ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة:١٨٦] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى﴾ هَذَا تَفْسِيرٌ لِلْإِجَابَةِ، أَيْ قَالَ لَهُمْ مُجِيبًا [[في جـ، ر، أ، و: "مخبرا".]] لَهُمْ: أَنَّهُ لَا يَضِيعُ عَمَلُ عَامِلٍ لَدَيْهِ، بَلْ يُوَفّي كُلَّ عَامِلٍ بِقِسْطِ عَمَلِهِ، مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ أَيْ: جَمِيعُكُمْ فِي ثَوَابِي سَواء ﴿فَالَّذِينَ هَاجَرُوا﴾ أَيْ: تَرَكُوا دَارَ الشِّرك وأتَوا إِلَى دَارِ الْإِيمَانِ وَفَارَقُوا الْأَحْبَابَ وَالْخُلَّانَ وَالْإِخْوَانَ وَالْجِيرَانَ، ﴿وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ﴾ أَيْ: ضايقهم المشركون بالأذى حتى ألجؤوهم إِلَى الْخُرُوجِ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي﴾ أَيْ: إِنَّمَا كَانَ ذنْبُهم إِلَى النَّاسِ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ﴾ [الْمُمْتَحِنَةِ:١] . وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [الْبُرُوجِ:٨] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا﴾ وَهَذَا أَعْلَى الْمَقَامَاتِ أَنْ يُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فيُعْقَر جَواده، ويعفَّر وَجْهُهُ بِدَمِهِ وَتُرَابِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قُتلت فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَابِرًا مُحْتَسبا مُقْبلا غَيْرَ مُدبِر، أيُكَفِّر اللَّهُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ قَالَ: "نَعَمْ" ثُمَّ قَالَ: "كَيْفَ قُلْتَ؟ ": فَأَعَادَ عَلَيْهِ [[في أ، و: "قال: فأعاد عليه".]] مَا قَالَ، فَقَالَ: "نَعَمْ، إِلَّا الدَّين، قَالَهُ لِي جِبْرِيلُ آنِفًا". وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ﴾ أَيْ: تَجْرِي فِي خِلَالِهَا الْأَنْهَارُ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَشَارِبِ، مِنْ لَبَنٍ وَعَسَلٍ وَخَمْرٍ وَمَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا لَا عَيْنَ رَأتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعت، وَلَا خَطَر عَلَى قَلْبِ بَشَر. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ أَضَافَهُ إِلَيْهِ وَنَسَبَهُ إِلَيْهِ لِيدل عَلَى أَنَّهُ عَظِيمٌ؛ لِأَنَّ الْعَظِيمَ الْكَرِيمَ لَا يُعْطِي إِلَّا جَزيلا كَثِيرًا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: إِنْ يُعَذب يَكُن غَرامًا وَإِنْ يُعْ ... طِ جَزيلا فإنَّه لَا يُبَالي ... * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾ أَيْ: عِنْدَهُ حُسْن الْجَزَاءِ لِمَنْ عَمِلَ صَالِحًا. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ذُكِرَ عَنْ دُحَيم بْنِ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، أَخْبَرَنِي حَرِيز [[في جـ، ر: "جرير".]] بْنُ عُثْمَانَ: أَنَّ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ كَانَ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، لَا تَتهِموا اللَّهَ فِي قَضَائِهِ، فَإِنَّهُ [[في أ: "فإن الله"، وفي و: "فالله".]] لَا يَبْغِي عَلَى مُؤْمِنٍ، فَإِذَا نَزَلَ بِأَحَدِكُمْ شَيْءٌ مما يُحِب فليحْمَد الله، وإذا أنزل [[في جـ، ر، أ: "نزل".]] بِهِ شَيْءٌ مِمَّا يَكْرَهُ فَليَصْبر وَلِيَحْتَسِبْ، فَإِنَّ الله عنده حسن الثواب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب