الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى﴾ أَيِ: اسْتَشْعَرَ مِنْهُمُ التَّصْمِيمَ عَلَى الْكُفْرِ وَالِاسْتِمْرَارَ عَلَى الضَّلَالِ قَالَ: ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ مَنْ يَتبعني إِلَى اللَّهِ؟ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ: مَنْ أَنْصَارِي مَعَ اللَّهِ؟ وَقَوْلُ [[في أ: "وقال".]] مُجَاهِدٍ أقربُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ مَنْ أَنْصَارِي فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ؟ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ، قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ: "مَنْ رَجُل يُؤْوِيني عَلى [أَنْ] [[زيادة من ر، وفي جـ، أ، و: "يؤويني حتى أبلغ".]] أُبَلِّغَ كلامَ رَبِّي، فإنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أنْ أُبَلِّغَ كَلامَ رَبِّي" [[رواه أحمد في المسند (٣/٣٢٢) من حديث جابر رضي الله عنه.]] حَتَّى وَجَدَ الْأَنْصَارَ فَآوَوْهُ وَنَصَرُوهُ، وَهَاجَرَ إِلَيْهِمْ فَآسَوْهُ [[في أ: "فآمنوه".]] وَمَنَعُوهُ مِنَ الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ. وَهَكَذَا [[في أ: "وكذا".]] عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، انْتدَبَ لَهُ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَآمَنُوا بِهِ وَآزَرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْهُمْ: ﴿قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ. رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ الْحَوَارِيُّونَ، قِيلَ: كَانُوا قَصّارين وَقِيلَ: سُمُّوا بِذَلِكَ لِبَيَاضِ ثِيَابِهِمْ، وَقِيلَ: صَيَّادِينَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْحَوَارِيَّ النَّاصِرُ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا نَدبَ النَّاسَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ، ثُمَّ نَدَبَهُمْ فانتدَبَ الزُّبَيْرُ [ثُمَّ نَدَبَهُمْ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ] [[زيادة من أ، و.]] فَقَالَ: "إنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَاريًا وَحَوَارِيي الزُّبَيْرُ" [[صحيح البخاري برقم (٣٧١٩) وصحيح مسلم برقم (٢٤١٥) من حديث جابر رضي الله عنه.]] . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأشَجّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ قَالَ مَعَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ. وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ. ثُمَّ قَالَ [[في أ: "وقال".]] تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ [مَلَأِ] [[زيادة من أ، و.]] بَنِي إِسْرَائِيلَ فِيمَا هَمُّوا بِهِ مِنَ الْفَتْكِ [[في أ: "القتل".]] بِعِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِرَادَتِهِ بِالسُّوءِ والصَّلب، حِينَ تمالؤوا [[في أ: "مالوا".]] عَلَيْهِ وَوَشَوا بِهِ إِلَى مَلِكِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَكَانَ كَافِرًا، فأنْهَوا إِلَيْهِ أَنَّ هَاهُنَا رَجُلًا يُضِلُّ النَّاسَ وَيَصُدُّهُمْ عَنْ طَاعَةِ الْمَلِكِ، وَيُفَنِّد الرَّعَايَا، وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الْأَبِ وَابْنِهِ [[في جـ، أ، و: "الابن وأبيه".]] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَقَلَّدُوهُ فِي رِقَابِهِمْ وَرَمَوْهُ بِهِ مِنَ الْكَذِبِ، وَأَنَّهُ وَلَدُ زَانِيَةٍ [[في جـ، ر، أ، و: "زنية".]] حَتَّى اسْتَثَارُوا غَضَبَ الْمَلِكِ، فَبَعَثَ فِي طَلَبِهِ مَنْ يَأْخُذُهُ وَيَصْلُبُهُ ويُنَكّل بِهِ، فَلَمَّا أَحَاطُوا بَمَنْزِلِهِ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ ظَفروا بِهِ، نَجَّاهُ اللَّهُ مِنْ بَيْنِهِمْ، وَرَفَعَهُ مِنْ رَوْزَنَة ذَلِكَ الْبَيْتِ إِلَى السَّمَاءِ، وَأَلْقَى اللَّهُ شَبَهَهُ عَلَى رَجُلٍ [مِمَّنْ] [[زيادة من أ، و.]] كَانَ عِنْدَهُ فِي الْمَنْزِلِ، فَلَمَّا دَخَلَ أُولَئِكَ اعْتَقَدُوهُ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأَخَذُوهُ وَأَهَانُوهُ وَصَلَبُوهُ، وَوَضَعُوا عَلَى رَأْسِهِ الشَّوْكَ. وَكَانَ هَذَا مِنْ مَكْرِ اللَّهِ بِهِمْ، فَإِنَّهُ نَجَّى نَبِيَّهُ وَرَفَعَهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، وَتَرَكَهُمْ فِي ضَلَالِهِمْ يَعْمَهُونَ، يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ قَدْ ظَفِرُوا بطَلبتِهم، وَأَسْكَنَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ قَسْوَةً وَعِنَادًا لِلْحَقِّ مُلَازِمًا لَهُمْ، وَأَوْرَثَهُمْ ذِلَّةً لَا تُفَارِقُهُمْ إِلَى يَوْمِ التَّنَادِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب