الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى مُنَبِّهًا عَلَى التَّفَكُّرِ فِي مَخْلُوقَاتِهِ، الدَّالَّةِ عَلَى وُجُودِهِ وَانْفِرَادِهِ بِخَلْقِهَا، وَإِنَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ، فَقَالَ: ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ﴾ يَعْنِي بِهِ: النَّظَرَ وَالتَّدَبُّرَ وَالتَّأَمُّلَ لِخَلْقِ اللَّهِ الْأَشْيَاءَ مِنَ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ، وَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ الْمُتَنَوِّعَةِ، وَالْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ، فَيَعْلَمُوا أَنَّهَا مَا خُلِقَتْ سُدًى وَلَا بَاطِلًا بَلْ بِالْحَقِّ، وَأَنَّهَا مُؤَجَّلَةٌ [[في ت: "وأنهما مؤجلين".]] إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ﴾ . ثُمَّ نَبَّهَهُمْ عَلَى صِدْقِ رُسُلِهِ فِيمَا جَاءُوا بِهِ عَنْهُ، بِمَا أَيَّدَهُمْ بِهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ، وَالدَّلَائِلِ [[في ت، ف، أ: "والدلالات".]] الْوَاضِحَاتِ، مِنْ إِهْلَاكِ مَنْ كَفَرَ بِهِمْ، وَنَجَاةِ مَنْ صَدَّقَهُمْ، فَقَالَ: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ﴾ أَيْ: بِأَفْهَامِهِمْ وَعُقُولِهِمْ وَنَظَرِهِمْ وَسَمَاعِهِمْ أَخْبَارَ الْمَاضِينَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ أَيْ: كَانَتِ الْأُمَمُ الْمَاضِيَةُ وَالْقُرُونُ السَّالِفَةُ أَشَدَّ مِنْكُمْ -أَيُّهَا الْمَبْعُوثُ إِلَيْهِمْ مُحَمَّدُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ [[في ت: "صلى الله عليه وسلم".]] وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا، وَمَا أُوتِيتُمْ مِعْشَارَ مَا أُوتُوا، ومُكنوا فِي الدُّنْيَا تَمْكِينًا لَمْ تَبْلُغُوا إِلَيْهِ، وَعُمِّرُوا فِيهَا أَعْمَارًا طِوَالًا فَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِنْكُمْ. وَاسْتَغَلُّوهَا أَكْثَرَ مِنَ اسْتِغْلَالِكُمْ، وَمَعَ هَذَا لَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَفَرِحُوا بِمَا أُوتُوا، أَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ، وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ، وَلَا حَالَتْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَأْسِ [[في ت: "أمر".]] اللَّهِ، وَلَا دَفَعُوا عَنْهُمْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ فِيمَا أَحَلَّ بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ ﴿وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ أَيْ: وَإِنَّمَا أُوتُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ حَيْثُ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ، واستهزؤوا بِهَا، وَمَا ذَاكَ إِلَّا بِسَبَبِ ذُنُوبِهِمُ السَّالِفَةِ وَتَكْذِيبِهِمُ الْمُتَقَدِّمِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ﴾ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ١١٠] ، وَقَوْلُهُ [[في ت، ف: "وقال".]] : ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصَّفِّ: ٥] ، وَقَالَ: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ﴾ [الْمَائِدَةِ: ٤٩] . وَعَلَى هَذَا تَكُونُ [[في ف: "يكون".]] السوءى منصوبة مفعولا لأساءوا. وَقِيلَ: بَلِ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى﴾ أي: كانت السوءى عَاقِبَتَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يستهزئون. فعلى هذا تكون السوءى مَنْصُوبَةً خَبَرَ كَانَ. هَذَا تَوْجِيهُ ابْنِ جَرِيرٍ [[تفسير الطبري (٢١/١٨) .]] ، وَنَقَلَهُ [[في ت: "ومنقول".]] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُمَا وَعَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزاحم، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، ﴿وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ﴾ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب