الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى مُخَاطِبًا نَبِيَّهُ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، بِأَنَّهُ قَدْ أَحَلَّ لَهُ مِنَ النِّسَاءِ أَزْوَاجَهُ اللَّاتِي أَعْطَاهُنَّ مُهُورَهُنَّ، وَهِيَ الْأُجُورُ هَاهُنَا. كَمَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَقَدْ كَانَ مَهْرُه لِنِسَائِهِ اثْنَتَيْ [[في ت: "ثنتي".]] عَشْرَةَ أُوقِيَّةً ونَشّا وَهُوَ نِصْفُ [[في ت: "والنش النصف".]] أُوقِيَّةٍ، فَالْجَمِيعُ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، إِلَّا أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ فَإِنَّهُ أَمْهَرَهَا عَنْهُ النَّجَاشِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ، وَإِلَّا صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيّ فَإِنَّهُ اصْطَفَاهَا مِنْ سَبْي خَيْبَرَ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا. وَكَذَلِكَ جُوَيرية بِنْتُ الْحَارِثِ الْمُصْطَلِقِيَّةُ، أَدَّى عَنْهَا كِتَابَتَهَا إِلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَتَزَوَّجَهَا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْ جميعهن [[في ت: "رضي الله عنهن أجمعين".]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ﴾ أَيْ: وَأَبَاحَ لَكَ التَّسَرِّي مِمَّا أَخَذْتَ مِنَ الْمَغَانِمِ [[في أ: "الغنائم".]] ، وَقَدْ مَلَكَ صَفِيَّةَ وَجُوَيْرِيَةَ فَأَعْتَقَهُمَا وَتَزَوَّجَهُمَا. وَمَلَكَ رَيْحَانَةَ بِنْتَ شَمْعُونٍ النَّضْرِيَّةَ، وَمَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةَ أُمَّ ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَانَتَا مِنَ السَّرَارِي، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ﴾ : هَذَا عَدْلٌ وَسط بَيْنِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ؛ فَإِنَّ النَّصَارَى لَا يَتَزَوَّجُونَ الْمَرْأَةَ إِلَّا إِذَا كَانَ الرَّجُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا سَبْعَةُ أَجْدَادٍ فَصَاعِدًا، وَالْيَهُودُ يَتَزَوَّجُ أَحَدُهُمْ بِنْتَ أَخِيهِ وَبِنْتَ أُخْتِهِ، فَجَاءَتْ هَذِهِ الشَّرِيعَةُ الْكَامِلَةُ الطَّاهِرَةُ بِهَدْمِ إِفْرَاطِ النَّصَارَى، فَأَبَاحَ بِنْتَ الْعَمِّ وَالْعَمَّةِ، وَبِنْتَ الْخَالِ وَالْخَالَةِ، وَتَحْرِيمِ [[في أ: "وحرم".]] مَا فَرّطت [[في ت: "ما حرموا".]] فِيهِ الْيَهُودُ مِنْ إِبَاحَةِ بِنْتِ الْأَخِ وَالْأُخْتِ، وَهَذَا بَشِعٌ [[في ف، أ: "شنيع".]] فَظِيعٌ. وَإِنَّمَا قَالَ: ﴿وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ﴾ فَوَحَّدَ لَفْظَ الذَّكَرِ لِشَرَفِهِ، وَجَمَعَ الْإِنَاثَ لِنَقْصِهِنَّ كَقَوْلِهِ: ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ﴾ [النَّحْلِ:٤٨] ، ﴿يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [الْبَقَرَةِ: ٢٥٧] ، ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ١] ، وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ﴾ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارِ بْنِ [[في أ: "و".]] الْحَارِثِ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدِ اللَّهِ [[في أ: "عبد الله".]] بْنِ مُوسَى، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ [[في ت: "روى ابن أبي حاتم بإسناده".]] ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ: خَطَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَاعْتَذَرْتُ إِلَيْهِ بِعُذْرِي، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ﴾ قَالَتْ: فَلَمْ أَكُنْ أَحِلُّ لَهُ، وَلَمْ أَكُنْ مِمَّنْ هَاجَرَ مَعَهُ، كُنْتُ مِنَ الطُّلَقَاءِ. وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي كُرَيْب، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، بِهِ [[تفسير الطبري (٢٢/١٥) .]] . ثُمَّ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْهَا بِنَحْوِهِ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ [[سنن الترمذي برقم (٣٢١٤) وقال: "هذا حديث حسن صحيح لا أعرفه إلا من هذا الوجه من حديث السدي".]] . وَهَكَذَا قَالَ أَبُو رَزين وَقَتَادَةُ: إِنَّ الْمُرَادَ: مَنْ هَاجَرَ مَعَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ قَتَادَةَ: ﴿اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ﴾ أَيْ: أَسْلَمْنَ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: "وَاللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَك". * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا﴾ أَيْ: وَيَحِلُّ لَكَ -يَأَيُّهَا النَّبِيُّ -الْمَرْأَةُ الْمُؤْمِنَةُ إِذَا وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَكَ أَنْ تَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ إِنْ شِئْتَ ذَلِكَ. وَهَذِهِ الْآيَةُ تَوَالَى فِيهَا شَرْطَانِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ نُوحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ: ﴿وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ﴾ [هُودٍ: ٣٤] ، وَكَقَوْلِ مُوسَى: ﴿يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ﴾ [يُونُسَ: ٨٤] . وَقَالَ هَاهُنَا: ﴿وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا﴾ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ [[في ت: "وقد روى البخاري ومسلم".]] : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ وَهَبت نَفْسِي لَكَ. فَقَامَتْ قِيَامًا طَوِيلًا فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زَوّجنيها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصدقها إِيَّاهُ"؟ فَقَالَ: مَا عِنْدِي إِلَّا إِزَارِي هَذَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنْ أَعْطَيْتَهَا إِزَارَكَ جلستَ لَا إِزَارَ لَكَ، فَالْتَمِسْ شَيْئًا". فَقَالَ: لَا أَجِدُ شَيْئًا. فَقَالَ: "الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ" فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: "هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ؟ " قَالَ: نَعَمْ؛ سُورَةُ كَذَا، وَسُورَةُ كَذَا -لِسُوَرٍ يُسَمِّيهَا -فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ". أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ [[المسند (٥/٣٣٦) وصحيح البخاري برقم (٥١٣٥) وصحيح مسلم برقم (١٤٢٥) ولكنه عند مسلم من طريق يعقوب وعبد العزيز بن أبي حازم وسفيان بن عيينة والدراوردي وزائدة كلهم عن أبي حازم بنحوه.]] . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ [[في أ: "عثمان".]] ، حَدَّثَنَا مَرْحُومٌ، سَمِعْتُ ثَابِتًا يَقُولُ [[في ت: "وروى البخاري أن ثابتا قال".]] : كُنْتُ مَعَ أَنَسٍ جَالِسًا وَعِنْدَهُ ابْنَةٌ لَهُ، فَقَالَ أَنَسٌ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، هَلْ لَكَ فِيَّ حَاجَةٌ؟ فَقَالَتِ ابْنَتُهُ: مَا كَانَ أَقَلَّ حَيَاءَهَا. فَقَالَ: "هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ، رَغِبَتْ فِي النَّبِيِّ، فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا". انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيُّ، مِنْ حَدِيثِ مَرْحُومِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ [الْعَطَّارِ] [[زيادة من أ.]] ، عَنْ ثَابِتٍ البُنَاني، عَنْ أَنَسٍ، بِهِ [[المسند (٣/٢٦٨) وصحيح البخاري برقم (٥١٢٠) .]] . وَقَالَ [[في ت: "وروى".]] أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا سِنان بْنُ رَبِيعَةَ، عَنِ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنَةٌ لِي كَذَا وَكَذَا. فَذَكَرَتْ مِنْ حُسْنِهَا وَجَمَالِهَا، فَآثَرْتُكَ بِهَا. فَقَالَ: "قَدْ قَبِلْتُهَا".فَلَمْ تَزَلْ تَمْدَحُهَا حَتَّى ذَكَرَتْ أَنَّهَا لَمْ تُصَدِّعْ وَلَمْ تَشْتَك شَيْئًا قَطُّ، فَقَالَ: "لَا حَاجَةَ لِي فِي ابْنَتِكِ". لَمْ يُخَرِّجُوهُ [[المسند (٣/١٥٥) .]] . وَقَالَ [[في ت: "وروى".]] ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحم، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الْوَضَّاحِ -يَعْنِي: مُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِمٍ -عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَة، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ﷺ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ [[ورواه البيهقي في السنن الكبرى (٧/٥٥) من طريق منصور بن أبي مزاحم، به.]] . وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَابْنِ أَبِي الزِّنَاد، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمِ بْنِ الْأَوْقَصِ، مِنْ بَنِي سُلَيم، كَانَتْ مِنَ اللَّاتِي وَهَبْن أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ [[رواه الطبري في تفسيره (٢٢/٢٣) .]] . وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ خَوْلَةَ بنت حكيم كَانَتْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَكَانَتِ امْرَأَةً صَالِحَةً [[رواه الطبري في تفسيره (٢٢/٢٣) .]] . فَيُحْتَمَلُ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ هِيَ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ، أَوْ هِيَ امْرَأَةٌ أُخْرَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الأحْمَسِي، حَدَّثَنَا وَكِيع، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، وَعُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالُوا: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثَلَاثٌ عَشْرَةَ امْرَأَةً، سِتٌّ مِنْ قُرَيْشٍ، خَدِيجَةُ، وَعَائِشَةُ، وَحَفْصَةُ، وَأُمُّ حَبِيبَةَ، وَسَوْدَةُ، وَأُمُّ سَلَمَةَ. وَثَلَاثٌ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَة، وَامْرَأَتَانِ مِنْ بَنِي هِلَالِ بْنِ عَامِرٍ: مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، وَهِيَ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ﷺ، وَزَيْنَبُ أَمُّ الْمَسَاكِينِ -امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أَبِي بَكْرِ بْنِ كِلَابٍ مِنَ الْقَرْطَاءِ -وَهِيَ الَّتِي اخْتَارَتِ الدُّنْيَا، وَامْرَأَةٌ مِنْ بَنِي الْجَوْنِ، وَهِيَ الَّتِي اسْتَعَاذَتْ مِنْهُ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ الْأَسَدِيَّةُ، وَالسَّبِيَّتَانِ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَجُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْمُصْطَلِقِ الْخُزَاعِيَّةُ [[ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (٥/٢٧٠) من طريق وكيع بلفظ: "تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ امْرَأَةٌ من بني الجون فطلقها وهي التي استعاذت منه".]] . وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبة، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ﴾ قَالَ: هِيَ مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ. فِيهِ انْقِطَاعٌ: هَذَا مُرْسَلٌ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ زَيْنَبَ الَّتِي كَانَتْ تُدْعَى أُمَّ الْمَسَاكِينِ هِيَ زَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيمة الْأَنْصَارِيَّةُ، وَقَدْ مَاتَتْ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فِي حَيَاتِهِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا أَنَّ اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ كَثِيرٌ، كَمَا قَالَ [[في ت: "كما روى".]] الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ حَدَّثَنَا عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغَارُ مِنَ اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ وَأَقُولُ: أَتَهَبُ امْرَأَةٌ [[في ت، أ: "المرأة".]] نَفْسَهَا؟ فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ﴾ قُلْتُ: مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارع فِي هَوَاكَ [[صحيح البخاري برقم (٤٧٨٨) .]] . وَقَدْ قَالَ [[في ت: "وروى".]] ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الحسين، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْجُعْفِيُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْر، عَنْ عَنْبَسَة بْنِ الْأَزْهَرِ، عَنْ سِماك، عَنْ عِكْرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمْ يَكُنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ امْرَأَةً وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ. وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي كُرَيْب، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْر [[تفسير الطبري (٢٢/١٧) .]] . أَيْ: إِنَّهُ لَمْ يَقْبَلْ وَاحِدَةً مِمَّنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا لَهُ وَمَخْصُوصًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَرْدُودٌ إِلَى مَشِيئَتِهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا﴾ أَيْ: إِنِ اخْتَارَ ذَلِكَ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ قَالَ عِكْرِمَةُ: أَيْ: لَا تَحِلُّ الْمَوْهُوبَةُ لِغَيْرِكَ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِرَجُلٍ لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى يُعْطِيَهَا شَيْئًا. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ وَغَيْرُهُمَا. أَيْ: إِنَّهَا إِذَا فَوَّضَتِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا إِلَى رَجُلٍ، فَإِنَّهُ مَتَى دَخَلَ بِهَا وَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ بِهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، كَمَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي بَرْوَع [[في أ: "تزويج".]] بِنْتِ وَاشَقٍ لَمَّا فَوَّضَتْ، فَحَكَمَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِصَدَاقِ مِثْلِهَا لَمَّا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَالْمَوْتُ وَالدُّخُولُ سَوَاءٌ فِي تَقْرِيرِ [[في ت: "تقدير".]] الْمَهْرِ وَثُبُوتِ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي الْمُفَوَّضَةِ لِغَيْرِ النَّبِيِّ ﷺ فَأَمَّا هُوَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِلْمُفَوَّضَةِ شَيْءٌ وَلَوْ دَخَلَ بِهَا؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ صَدَاقٍ وَلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ، كَمَا فِي قِصَّةِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا. وَلِهَذَا قَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: ﴿خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ، يَقُولُ: لَيْسَ لِامْرَأَةٍ تَهَبُ نَفْسَهَا لِرَجُلٍ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَلَا مَهْرٍ إِلَّا لِلنَّبِيِّ ﷺ. [وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ ] [[زيادة من ت، أ.]] قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ وَابْنُ جَرِيرٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ﴾ أَيْ: مِنْ حَصْرِهم فِي أَرْبَعِ نِسْوَةٍ حَرَائِرَ وَمَا شَاءُوا [[في ت: "وما يشاء".]] مِنَ الْإِمَاءِ، وَاشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ وَالْمَهْرِ وَالشُّهُودِ عَلَيْهِمْ، وَهُمُ الْأَمَّةُ، وَقَدْ رَخَّصْنَا لَكَ فِي ذَلِكَ، فَلَمْ نُوجِبْ عَلَيْكَ شَيْئًا مِنْهُ؛ ﴿لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب