الباحث القرآني

هَذِهِ آيَةُ الْحِجَابِ، وَفِيهَا أَحْكَامٌ وَآدَابٌ شَرْعِيَّةٌ، وَهِيَ مِمَّا وَافَقَ تَنْزِيلُهَا قَوْلَ [[في ت: "لقول".]] عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ اتَّخَذْتَ مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ [الْبَقَرَةِ: ١٢٥] . وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ نِسَاءَكَ يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ حَجَبْتَهُنَّ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ. وَقُلْتُ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ لَمَّا تَمَالَأْنَ عَلَيْهِ فِي الْغَيْرَةِ: ﴿عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ﴾ [التَّحْرِيمِ:٥] ، فَنَزَلَتْ كَذَلِكَ [[صحيح البخاري برقم (٤٠٢) .]] . وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ ذِكْرُ أُسَارَى بَدْرٍ، وَهِيَ قَضِيَّةٌ رَابِعَةٌ. وَقَدْ قَالَ [[في ت: "وروى".]] الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُسَدَّد، عَنْ يَحْيَى، عَنْ حُمَيْد، أَنَّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخِطَابِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحِجَابِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ [[صحيح مسلم برقم (٢٣٩٩) .]] . وَكَانَ وَقْتُ نُزُولِهَا فِي صَبِيحَةِ عُرْسِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، الَّتِي تَوَلَّى اللَّهُ تَعَالَى تَزْوِيجَهَا بِنَفْسِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ مِنَ السَّنَةِ الْخَامِسَةِ، فِي قَوْلِ قَتَادَةَ وَالْوَاقِدَيِّ وَغَيْرِهِمَا. وَزَعَمَ أَبُو عُبَيدة مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَخَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ [[في ت: "وروى".]] الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقاشي، حَدَّثَنَا مُعْتَمر بْنُ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو مِجْلَز، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، دَعَا الْقَوْمَ فَطَعموا ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ، فَإِذَا هُوَ [كَأَنَّهُ] [[زيادة من ت، ف، أ، والبخاري.]] يَتَهَيَّأُ [[في ت: "تهيأ".]] لِلْقِيَامِ فَلَمْ يَقُومُوا. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَامَ، فَلَمَّا قَامَ [قَامَ] [[زيادة من ت، ف، أ، والبخاري.]] مَنْ قَامَ، وَقَعَدَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. فَجَاءَ النَّبِيُّ ﷺ لِيَدْخُلَ، فَإِذَا الْقَوْمُ جُلُوسٌ، ثُمَّ إِنَّهُمْ قَامُوا فَانْطَلَقْتُ، فَجِئْتُ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ ﷺ أَنَّهُمْ قَدِ انْطَلَقُوا. فَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ، فَذَهَبْتُ أَدْخَلُ، فَأَلْقَى [الْحِجَابَ] [[زيادة من ت، ف، أ، والبخاري.]] بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ﴾ الْآيَةَ. وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ طُرُقٍ، عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، بِهِ [[صحيح البخاري برقم (٤٧٩١) وبرقم (٦٢٣٩، ٦٢٧١) وصحيح مسلم برقم (١٤٢٨) والنسائي في السنن الكبرى برقم (١١٤٢٠) .]] . ثُمَّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُنْفَرِدًا بِهِ مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابة، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، [بِنَحْوِهِ [[صحيح البخاري برقم (٤٧٩٢) .]] . ثُمَّ قَالَ [[في ت: "قال البخاري".]] : حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ] [[زيادة من ت، ف، أ.]] قَالَ: بُني [عَلَى] [[زيادة من ت، ف، والبخاري، وفي أ: "بنى الله على النبي".]] النَّبِيِّ ﷺ بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ بِخُبْزٍ وَلَحْمٍ، فأرسلْتُ عَلَى الطَّعَامِ دَاعِيًا، فَيَجِيءُ قَوْمٌ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ. فدعوتُ حَتَّى مَا أَجِدُ أَحَدًا أَدْعُوهُ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَا أَجِدُ أَحَدًا أَدْعُوهُ. قَالَ: "ارْفَعُوا طَعَامَكُمْ"، وَبَقِيَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ يَتَحَدَّثُونَ فِي الْبَيْتِ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ فَانْطَلَقَ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَقَالَ: "السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ". قَالَتْ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ، بَارَكَ اللَّهُ لَكَ؟ فَتَقَرّى حُجَرَ نِسَائِهِ كُلّهن، يَقُولُ لَهُنَّ كَمَا يَقُولُ لِعَائِشَةَ، وَيَقُلْنَ لَهُ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ. ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ [[في ت: "النبي".]] ﷺ فَإِذَا رَهْطٌ ثَلَاثَةٌ [فِي الْبَيْتِ] [[زيادة من ت، ف، أ، والبخاري.]] يَتَحَدَّثُونَ. وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ شَدِيدَ الْحَيَاءِ، فَخَرَجَ مُنْطَلِقًا نَحْوَ حُجْرة عَائِشَةَ، فَمَا أَدْرِي أخبرتُه أَمْ أُخْبِرَ أَنَّ الْقَوْمَ خَرَجُوا؟ فَرَجَعَ حَتَّى إِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي أُسْكُفة الْبَابِ دَاخِلَهُ، وَأُخْرَى خَارِجَهُ، أرْخَى السِّتْرَ بيني وبينه، وأنزلت آية الحجاب. انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِ الْكُتُبِ [السِّتَّةِ] [[زيادة من ت، ف، أ.]] ، سِوَى النَّسَائِيِّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَارِثِ [[صحيح البخاري برقم (٤٧٩٣) والنسائي في السنن الكبرى برقم (١٠١٠١) .]] . ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ إِسْحَاقَ -هُوَ ابْنُ مَنْصُورٍ -عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَكْرٍ [[في أ: "بكير".]] السَّهْمِيِّ، عَنْ حُمَيد، عَنْ أَنَسٍ، بِنَحْوِ ذَلِكَ [[صحيح البخاري برقم (٤٧٩٤) .]] ، وَقَالَ: "رَجُلَانِ" انْفَرَدَ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَفْرَادِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ [[في ت: "روى مسلم والنسائي".]] : حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ، حَدَّثَنَا جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْجَعْدِ -أَبِي عُثْمَانَ اليَشْكُرِي -عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَعْرَسَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِبَعْضِ نِسَائِهِ، فَصَنَعَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ حَيْسًا ثُمَّ وَضَعَتْهُ [[في ت، ف: "جعلت".]] فِي تَوْر، فَقَالَتْ: اذْهَبْ بِهَذَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ، وَأَخْبِرْهُ أَنَّ هَذَا مِنَّا لَهُ قَلِيلٌ -قَالَ أَنَسٌ: وَالنَّاسُ يَوْمَئِذٍ فِي جَهد -فَجِئْتُ بِهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَعَثَتْ بِهَذَا أُمُّ سُلَيم إِلَيْكَ، وَهِيَ تُقْرِئُكَ السَّلَامَ، وَتَقُولُ: أَخْبِرْهُ أَنَّ هَذَا مِنَّا لَهُ قَلِيلٌ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "ضَعْهُ" فوَضَعته فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، ثُمَّ قَالَ: "اذْهَبْ فَادْعُ لِي فُلَانًا وَفُلَانًا". وَسَمَّى رِجَالًا كَثِيرًا، وَقَالَ: "ومَنْ لقيتَ مِنَ [الْمُسْلِمِينَ". فدعوتُ مَنْ قَالَ لِي، ومَنْ لَقِيتُ مِنَ] [[زيادة من ف، أ.]] الْمُسْلِمِينَ، فَجِئْتُ وَالْبَيْتُ والصُّفَّة وَالْحُجْرَةُ مَلأى مِنَ النَّاسِ -فَقُلْتُ: يَا أَبَا عُثْمَانَ، كَمْ كَانُوا؟ فَقَالَ: كَانُوا زُهَاءَ ثَلَاثِمِائَةٍ -قَالَ أَنَسٌ: فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "جِئْ بِهِ". فجئتُ بِهِ إِلَيْهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَدَعَا وَقَالَ: "مَا شَاءَ اللَّهُ". ثُمَّ قَالَ: "ليتَحَلَّق عَشَرة عَشَرة، وَلْيُسَمُّوا [[في ت، ف، أ: "ويسموا".]] ، وَلْيَأْكُلْ كُلُّ إِنْسَانٍ مِمَّا يَلِيهِ". فَجَعَلُوا يُسَمُّونَ وَيَأْكُلُونَ، حَتَّى أَكَلُوا كُلُّهُمْ. فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "ارْفَعْهُ". قَالَ: فجئتُ فَأَخَذْتُ التَّورَ فَمَا أَدْرِي أَهْوَ حِينَ وَضَعْتُ أَكْثَرُ أَمْ حِينَ أَخَذْتُ؟ قَالَ: وَتَخَلَّفَ رِجَالٌ يَتَحَدَّثُونَ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ، وزَوجُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الَّتِي دَخَلَ بِهَا مَعَهُمْ مُولّية وَجْهِهَا إِلَى الْحَائِطِ، فَأَطَالُوا الْحَدِيثَ، فَشَقُّوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ أَشَدَّ النَّاسِ حَيَاءً -وَلَوْ أُعْلِمُوا [[في ت، ف، أ: "علموا".]] كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ عَزِيزًا -فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَخَرَجَ فَسَلَّمَ عَلَى حُجَره وَعَلَى نِسَائِهِ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَدْ جَاءَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ ثَقَّلوا عَلَيْهِ، ابْتَدَرُوا الْبَابَ فَخَرَجُوا، وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى أَرْخَى السِّتْرَ، وَدَخَلَ الْبَيْتَ وَأَنَا فِي الْحُجْرَةِ، فَمَكَثَ رسولُ اللَّهِ ﷺ فِي بَيْتِهِ يَسِيرًا، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، فَخَرَجَ وَهُوَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ . قَالَ أَنَسٌ: فَقَرَأَهُنَّ عَليّ قَبْلَ النَّاسِ، فَأَنَا أحْدثُ الناس بهن عهدا. وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ جَمِيعًا، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، بِهِ [[صحيح مسلم برقم (١٤٢٨) وسنن الترمذي برقم (٣٢١٨) وسنن النسائي (٦/١٣٦) .]] . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ وعَلَّقه الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فَقَالَ: وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَان، عَنِ الجَعْد أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَنَسٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ [[صحيح البخاري برقم (٥١٦٣) .]] . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر، عَنِ الْجَعْدِ، بِهِ [[صحيح مسلم برقم (١٤٢٨) .]] . وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ شَرِيك، عَنْ بَيَانِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ أَنَسٍ، بِنَحْوِهِ. وَرَوَى [[في أ: "ورواه".]] الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، مِنْ طَرِيقَيْنِ آخَرَيْنِ، عَنْ بَيَان بْنِ بِشْرٍ الأحَمَسِي الْكُوفِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، بِنَحْوِهِ [[صحيح البخاري برقم (٥١٧٠) وسنن الترمذي برقم (٣٢١٩) .]] . وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا، مِنْ حَدِيثِ أَبِي نَضْرَة الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، بِنَحْوِهِ [[في أ: "بنحوه ولم يخرجوه".]] وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، وَمِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، بِنَحْوِ ذَلِكَ [[تفسير الطبري (٢٢/٢٧) .]] . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا بَهْزُ وَهَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّةُ زَيْنَبَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لِيَزِيدَ "اذْهَبْ فَاذْكُرْهَا عَلَيَّ". قَالَ: فَانْطَلَقَ زَيْدٌ حَتَّى أَتَاهَا، قَالَ: وَهِيَ تُخَمِّر عَجِينَهَا، فَلَمَّا رأيتُها عَظُمت فِي صَدْرِي ... وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا﴾ ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَوَعَظ الْقَوْمَ بِمَا وُعِظُوا بِهِ. قَالَ هَاشِمٌ فِي حَدِيثِهِ: ﴿لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾ . وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ [[في هـ، أ: "جعفر بن سليمان" والتصويب من ت، ف، ومسلم.]] ، بِهِ [[المسند (٣/١٩٥) ، وصحيح مسلم برقم (١٤٢٨) ، وسنن النسائي (٦/٧٩) ".]] . وَقَالَ [[في ت: "وروى".]] ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -ابْنُ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ -حَدَّثَنِي عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَة، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنَّ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كُنّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ إِذَا تَبَرَّزْنَ إِلَى الْمَنَاصِعِ -وَهُوَ صَعِيدٌ أَفْيَحُ -وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: احْجُبْ نِسَاءَكَ. فَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِيَفْعَلَ، فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ زَوْجِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَكَانَتِ امْرَأَةً طَوِيلَةً، فَنَادَاهَا عُمَرُ بِصَوْتِهِ الْأَعْلَى: قَدْ عَرَفْنَاكِ يَا سَوْدَةُ. حرْصًا أَنْ [[في ف، أ: "حرصا أن أن".]] يَنْزِلَ الْحِجَابَ، قَالَتْ [[في ت: "قال".]] : فأنزل الله الحجاب [[تفسير الطبري (٢٢/٢٨) .]] . هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَالْمَشْهُورُ أَنَّ هَذَا كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْحِجَابِ، كَمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَة، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، رضي اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: خَرَجَتْ سَوْدَةُ بَعْدَمَا ضُرِبَ الْحِجَابُ لِحَاجَتِهَا، وَكَانَتِ امْرَأَةً جَسيمَةً لَا تخفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُهَا، فَرَآهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: يَا سَوْدَةُ، أَمَا وَاللَّهِ مَا تَخْفَين عَلَيْنَا، فَانْظُرِي كَيْفَ تَخْرُجِينَ؟ قَالَتْ: فَانْكَفَأْتُ رَاجِعَةً، ورسولُ اللَّهِ ﷺ فِي بَيْتِي، وَإِنَّهُ لَيَتَعَشَّى، وَفِي يَدِهِ عَرْق، فَدَخَلَتْ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي، فَقَالَ لِي عُمَرُ كَذَا وَكَذَا. قَالَتْ: فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ، ثُمَّ رُفعَ عَنْهُ وَإِنَّ العَرْق فِي يَدِهِ، مَا وَضَعَهُ. فَقَالَ: "إِنَّهُ قَدْ أذنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ". لَفَظُ الْبُخَارِيِّ [[المسند (٦/٥٦) وصحيح البخاري برقم (٤٧٩٥) وصحيح مسلم برقم (٢١٧٠) .]] . فَقَوْلُهُ: ﴿لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ﴾ : حَظَر عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَدْخُلُوا مَنَازِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِغَيْرِ إِذْنٍ، كَمَا كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَصْنَعُونَ فِي بُيُوتِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، حَتَّى غَارَ اللَّهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، فَأَمَرَهُمْ بِذَلِكَ، وَذَلِكَ مِنْ إِكْرَامِهِ تَعَالَى هَذِهِ الْأُمَّةَ؛ وَلِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ" [[رواه البخاري في صحيحه برقم (٥٢٣٢) ومسلم في صحيحه برقم (٢١٧٢) من حديث عقبة بن عامر، رضي الله عنه.]] . ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: ﴿إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ﴾ . قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا: أَيْ غَيْرَ مُتَحَيِّنِينَ نُضْجَهُ وَاسْتِوَاءَهُ، أَيْ: لَا تَرْقُبُوا الطَّعَامَ حَتَّى [[في أ: "الطعام إذا طبخ حتى".]] إِذَا قَارَبَ الِاسْتِوَاءَ تَعَرَّضْتُمْ لِلدُّخُولِ، فَإِنَّ هَذَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ وَيَذُمُّهُ. وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ التَّطْفِيلِ، وَهُوَ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ الضَّيْفَنَ، وَقَدْ صَنَّفَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي ذَلِكَ كِتَابًا فِي ذَمِّ الطُّفَيْلِيِّينَ. وَذَكَرَ مِنْ أَخْبَارِهِمْ أَشْيَاءَ يَطُولُ إِيرَادُهَا. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا﴾ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيجب، عُرسًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ" [[صحيح مسلم برقم (١٤٢٩) .]] . وَأَصِلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: "لَوْ دُعيت إِلَى ذِرَاعٍ لَأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إليَّ كُرَاع لَقَبِلْتُ، فَإِذَا فَرَغتم مِنَ الَّذِي دُعيتم إِلَيْهِ فَخَفِّفُوا عَنْ أَهْلِ الْمَنْزِلِ، وَانْتَشَرُوا فِي الْأَرْضِ" [[في صحيح البخاري برقم (٢٥٦٨) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.]] ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ﴾ أَيْ: كَمَا وَقَعَ لِأُولَئِكَ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ اسْتَرْسَلَ بِهِمُ الْحَدِيثُ، ونسُوا أَنْفُسَهُمْ، حَتَّى شَقّ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، كَمَا قَالَ [اللَّهُ] [[زيادة من ف.]] تَعَالَى: ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ﴾ [[بعدها في أ: "والله لا يستحيي من الحق".]] . وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَنَّ دُخُولَكُمْ مَنْزِلَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ [[في أ: "إذن".]] كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ وَيَتَأَذَّى بِهِ، لَكِنْ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَنْهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ حَيَائِهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾ أَيْ: وَلِهَذَا نَهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ وزجرَكم عنه. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ أَيْ: وَكَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنِ الدُّخُولِ عَلَيْهِنَّ، كَذَلِكَ لَا تَنْظُرُوا إِلَيْهِنَّ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِكُمْ [[في ت: "لأحدهم".]] حَاجَةٌ يُرِيدُ تَنَاوُلَهَا مِنْهُنَّ فَلَا يَنْظُرْ إِلَيْهِنَّ، وَلَا يَسْأَلْهُنَّ حَاجَةً إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ. وَقَالَ [[في ت: "وروى".]] ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مِسْعَر، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ آكُلُ مَعَ النَّبِيِّ [[في ت: "رسول الله".]] ﷺ حَيْسًا فِي قَعْب، فَمَرَّ عُمَرُ فَدَعَاهُ، فَأَصَابَتْ إِصْبَعُهُ إِصْبَعِي، فَقَالَ: حَسِّ [[في هـ: "خير" وفي ت، ف، أ: "حسن" والمثبت من النهاية لابن الأثير ١/٣٨٥.]] -أَوْ: أَوِّهِ -لَوْ أَطَاعَ فِيكُنَّ مَا رَأَتْكِ [[في ت، أ: "ما رأتكن".]] عَيْنٌ. فَنَزَلَ الْحِجَابُ [[ورواه النسائي في السنن الكبرى برقم (١١٤١٩) من طريق زكريا بن يحيى عن ابن أبي عمر، به.]] . ﴿ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾ أَيْ: هَذَا الَّذِي أَمَرَتْكُمْ بِهِ وَشَرَعْتُهُ لَكُمْ مِنَ الْحِجَابِ أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾ : قَالَ [[في ت: "روى".]] ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا مهْرَان، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ﴾ قَالَ: نَزَلَتْ فِي رَجُل هَمّ أَنْ يَتَزَوَّجَ بَعْضَ نِسَاءِ النَّبِيِّ ﷺ. قَالَ رَجُلٌ لِسُفْيَانَ: أَهِيَ عَائِشَةُ؟ قَالَ: قَدْ ذَكَرُوا ذَاكَ. وَكَذَا قَالَ مُقَاتِلُ بْنِ حَيَّان، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَذَكَرَ بِسَنَدِهِ عَنِ السُّدِّيِّ أَنَّ الَّذِي عَزَمَ عَلَى ذَلِكَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَتَّى نَزَلَ التَّنْبِيهُ عَلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ قَاطِبَةً عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مِنْ أَزْوَاجِهِ [[في ف، أ: "زوجاته".]] أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ تَزْوِيجُهَا مِنْ بَعْدِهِ؛ لِأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ دَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي حَيَاتِهِ [[في ت: "حياتها".]] هَلْ يَحِلُّ لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، مَأْخَذُهُمَا: هَلْ دَخَلَتْ هَذِهِ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ: ﴿مِنْ بَعْدِهِ﴾ أَمْ لَا؟ فَأَمَّا مَنْ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَمَا نَعْلَمُ فِي حِلِّهَا لِغَيْرِهِ -وَالْحَالَةُ هَذِهِ -نِزَاعًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ [[في ت: "وروى".]] ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي [مُحَمَّدُ] [[زيادة من ف، أ، والطبري.]] بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ؛ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ مَاتَ وَقَدْ مَلَكَ قَيْلَةَ بِنْتَ [[في أ: "قتيلة ابنة".]] الْأَشْعَثِ -يَعْنِي: ابْنَ قَيْسٍ -فَتَزَوَّجَهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهِلَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ مَشَقَّةً شَدِيدَةً، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، إِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ نِسَائِهِ، إِنَّهَا لَمْ يُخَيّرها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَلَمْ يَحْجُبْهَا، وَقَدْ بَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ بِالرِّدَّةِ الَّتِي ارْتَدَتْ مَعَ قَوْمِهَا. قَالَ: فَاطْمَأَنَّ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا [[في ت، ف: "عنه".]] وَسَكَنَ [[تفسير الطبري (٢٢/٢٩) .]] . وَقَدْ عَظَّمَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذَلِكَ، وَشَدَّدَ فِيهِ وَتَوَعَّدَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾ ، ثُمَّ قَالَ: ﴿إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ أَيْ: مَهْمَا تُكِنُّهُ ضَمَائِرُكُمْ وَتَنْطَوِي عَلَيْهِ سَرَائِرُكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ [[في ف: "فإنه".]] يَعْلَمُهُ؛ فَإِنَّهُ لَا تَخْفَى [[في ت، ف: "لا يخفى".]] عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [غَافِرٍ: ١٩] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب