الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ أُولِي الْعَزْمِ الْخَمْسَةِ، وَبَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ: أَنَّهُ أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ فِي إِقَامَةِ دِينِ اللَّهِ، وَإِبْلَاغِ رِسَالَتِهِ، وَالتَّعَاوُنِ وَالتَّنَاصُرِ وَالِاتِّفَاقِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ٨١] فَهَذَا الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ أُخِذَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ إِرْسَالِهِمْ، وَكَذَلِكَ هَذَا. وَنَصَّ مِنْ بَيْنِهِمْ عَلَى هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةِ، وَهُمْ أُولُو الْعَزْمِ، وَهُوَ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَقَدْ صرَّح بِذِكْرِهِمْ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَفِي قَوْلِهِ: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشُّورَى: ١٣] ، فَذَكَرَ الطَّرَفَيْنِ وَالْوَسَطَ، الْفَاتِحَ وَالْخَاتَمَ، وَمِنْ بَيْنِهِمَا عَلَى [هَذَا] [[زيادة من ف.]] التَّرْتِيبِ. فَهَذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الَّتِي أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ بِهَا، كَمَا قَالَ: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ [وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ] ﴾ [[زيادة من ت، ف.]] ، فَبَدَأَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالْخَاتَمِ؛ لِشَرَفِهِ -صَلَوَاتُ اللَّهِ [وَسَلَامُهُ] [[زيادة من ف، أ.]] عَلَيْهِ -ثُمَّ رَتَّبَهُمْ بِحَسَبِ وَجُودِهِمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ [وَسَلَامُهُ] [[زيادة من ف، أ.]] عَلَيْهِمْ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، حَدَّثَنِي قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ [[في ت: "روى ابن أبي الدنيا".]] ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ﴾ الْآيَةَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "كنت أول النبيين في الخلق وَآخِرَهُمْ فِي الْبَعْثِ، [فَبُدئ بِي] [[زيادة من ت، ف، والدلائل والكامل.]] قَبْلَهُمْ" [[ورواه أبو نعيم في دلائل النبوة ص (٦) وابن عدي في الكامل (٣/٣٧٣) وتمام في الفوائد برقم (١٠٠٣) من طرق عن سعيد بن بشير عن قتادة به، وفي إسناده علتان: الأولى: الحسن البصري مدلس وقد عنعن. الثانية: سعيد بن بشير ضعيف وقد خولف، خالفه أبو هلال وسعيد بن أبي عروبة كما ذكره المؤلف فقالا: عن قتادة مرسلا، ا. هـ مستفادا من السلسلة الضعيفة برقم (٦٦١) للشيخ ناصر الألباني.]] سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ فِيهِ ضَعْفٌ. وَقَدْ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ مُرْسَلًا وَهُوَ أَشْبَهُ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ قَتَادَةَ مَوْقُوفًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ [[في ت: "وروى أبو بكر البزار بإسناده".]] ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خِيَارُ وَلَدِ آدَمَ خَمْسَةٌ: نُوحٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَمُوسَى، وَعِيسَى، وَمُحَمَّدٌ، وَخَيْرُهُمْ مُحَمَّدٌ ﷺ أَجْمَعِينَ [[مسند البزار برقم (٢٣٦٨) "كشف الأستار".]] . مَوْقُوفٌ، وَحَمْزَةُ فِيهِ ضَعْفٌ [[في ت: "موقوف ضعيف".]] . وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْمِيثَاقِ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُمْ حِينَ أُخْرِجُوا فِي صُورَةِ الذَّرِّ مِنْ صُلْبِ آدَمَ، كَمَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: وَرَفَعَ أَبَاهُمْ آدَمَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ -يَعْنِي: ذُرِّيَّتَهُ -وَأَنَّ فِيهِمُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ، وَحَسَنَ الصُّورَةِ، وَدُونَ ذَلِكَ، فَقَالَ: رَبِّ، لَوْ سويتَ بَيْنَ عِبَادِكَ؟ فَقَالَ: إِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ أُشْكَرَ. وَأَرَى فِيهِمُ الْأَنْبِيَاءَ مِثْلَ السُّرُجِ، عَلَيْهِمْ كَالنُّورِ، وَخُصُّوا بِمِيثَاقٍ آخَرَ مِنَ الرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ، فَهُوَ الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوح [وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ] ﴾ [[زيادة من ت، ف.]] الْآيَةَ. وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ أَيْضًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمِيثَاقُ الْغَلِيظُ: الْعَهْدُ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ﴾ ، قَالَ مُجَاهِدٌ: الْمُبَلِّغِينَ الْمُؤَدِّينَ عَنِ الرُّسُلِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ﴾ أَيْ: مِنْ أُمَمِهِمْ ﴿عَذَابًا أَلِيمًا﴾ أَيْ: مُوجِعًا، فَنَحْنُ نَشْهَدُ أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ، وَنَصَحُوا الْأُمَمَ وَأَفْصَحُوا لَهُمْ عَنِ الْحَقِّ الْمُبِينِ، الْوَاضِحِ الْجَلِيِّ، الَّذِي لَا لَبْسَ فِيهِ، وَلَا شَكَّ، وَلَا امْتِرَاءَ، وَإِنْ كَذَّبَهُمْ مَنْ كَذَّبَهُمْ مِنَ الْجَهَلَةِ وَالْمُعَانِدِينَ وَالْمَارِقِينَ وَالْقَاسِطِينَ، فَمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ هُوَ الْحَقُّ، ومَنْ خَالَفَهُمْ فَهُوَ عَلَى الضَّلَالِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب